يحيى العالم غدا اليوم الدولى للرحلة البشرية للفضاء 2016، حيث يواكب الاحتفال الذكرى الـ55 لأول رحلة فضائية للإنسان فى 12 أبريل عام 1961، والتى قام بها يورى جاجارين رائد الفضاء السوفيتى وأصبح أول إنسان يدور حول الأرض، وفتح فصلا جديدا من النشاط البشرى فى الفضاء الخارجى.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار 271/65 فى أبريل عام 2011، للاحتفال فى يوم 12 أبريل من كل عام باليوم الدولى للطيران الفضائى للإنسان، حيث تؤكد من جديد مساهمة هامة من علوم وتكنولوجيا الفضاء فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وزيادة رفاه الدول والشعوب، فضلا عن ضمان تحقيق تطلعهم للحفاظ على الفضاء الخارجى للأغراض السلمية.
بعد أن أطلق الاتحاد السوفييتى أول قمر اصطناعى فى العالم وهو سبوتنك1 فى 4 أكتوبر عام 1957، بدأ سباق الفضاء العالمى إلى الفضاء الكونى هو سباق بدأ أساساً بين الاتحاد السوفييتى السابق والولايات المتحدة الأمريكية كجزء من الحرب الباردة، محوره التسابق على أخذ أكبر مساحة من الفضاء عن طريق الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء المأهولة وغير المأهولة، كان الأمر إظهارا للقدرة والتقنية لكلتا الدولتين فى مجال غزو الفضاء.
ومع انطلاق أول قمر اصطناعى عرفته البشرية سبوتنيك إلى الفضاء الخارجى فى ذلك اليوم تغير وجه العالم. وفى 3 نوفمبر 1957 وبعد أقل من شهر من إطلاق السوفييت القمرسبوتنيك 1، أطلقوا سبوتنيك 2 والذى كان على ظهره أول كائن حى إلى الفضاء وهى الكلبة لايكا حيث درس العلماء كيفية حياة الكلبة فى الفضاء وفى تاريخ 12 من أبريل 1961 أصبح رائد الفضاء السوفيتى يورى جاجارين أول إنسان فى الفضاء الذى أطلق فى المركبة الفضائية "فوستيك 1". حيث حملت سفينة الفضاء السوفيتية رائد الفضاء الروسى يورى جاجارين إلى الفضاء الخارجى، وقضى جاجارين 108 دقائق داخل مركبته الفضائية فى مدارها حول الأرض قبل أن يعود إلى الأرض، لتسجل أول محاولة سوفيتية لسباق الفضاء، ولتكون بداية سباق أمريكى سوفيتى نحو إطلاق بشر إلى الفضاء الخارجى.
وبعد 23 يوماً من إطلاق أول إنسان فى الفضاء، قام رائد الفضاء الأمريكى آلن شيبارد بدوران فرعى لمدة 15 دقيقة فى الفضاء.أصبح جون جلين أول أمريكى يدور حول الأرض فى عام 1962.بعد ذلك أطلق الاتحاد السوفيتى أول امرأة فى الفضاء وهى فالينتينا تيريشكوفا فى عام 1963.
وأجرى رائد الفضاء السوفيتى ألكسى ليونوف أول عملية مشى فى الفضاء فى عام 1965 التى كادت أن تنتهى الرحلة بكارثة حين أخفق ليونوف العودة تقريباً إلى الكبسولة. وبعد النجاح السوفيتى فى وضع أول قمر صناعى فى المدار وبعد رحلة جاجارين، ركز الأمريكان جهودهم على إرسال مسبار فضائى إلى القمر. ففى 21 من يوليو 1969 أصبح الأمريكى نيل آرمسترونغ أول إنسان يضع قدمه على سطح القمر فى حدث راقبه أكثر من 500 مليون شخص حول العالم. ويصنف الهبوط القمرى أحد اللحظات الحاسمة فى القرن 20. ونفت الولايات المتحدة الحق بامتلاك أى جزء من القمر بعد هبوطها الناجح على سطحه.
وكانت بذلك البداية نحو رحلات غزو حقيقى للفضاء من قبل البشر وقد سار العمل على قدم وساق وسباق مع الزمن بين الدول العظمى، وشمر العلماء عن سواعدهم وبذلوا عرقهم وجهدهم من أجل جمع أكبر المعلومات وإنجاز أكبر التجهيزات من الأقمار والصواريخ الفضائية ومسابقة الدول فيما بينها من أجل الظفر بأكبر وأجمل الألقاب لها ولعلمائها وكانت هذه الرحلات هى البداية الحقيقية لعصر الفضاء وفيه أهم الإنجازات التى تحققت للبشرية.
لقد حددت وكالة ناسا الأمريكية هدفاً طموحاً يتمثل فى إرسال البشر إلى المريخ بحلول منتصف ثلاثينيات هذا القرن. وفى تقرير صدر مؤخراً بعنوان "رحلة ناسا إلى المريخ: زيادة الخطوات التالية فى استكشاف الفضاء"، وتتضمن هذه الخطوات مواصلة الأبحاث على المحطة الفضائية الدولية، ثم نقل البشر خارج مدار أرضى منخفض إلى ما نطلق عليه "أرض التثبت" ــ المنطقة من الفضاء القريبة من القمر. وهذا من شأنه أن يسمح لنا بدفع حدود قدراتنا فى مكان يستطيع رواد الفضاء أن يعودوا منه بسلام إلى ديارهم فى غضون أيام قليلة.
إن استكشاف ناسا فى الحياة الحقيقية للقمر، لن يكون استكشاف البشر لكوكب المريخ مسعى تهيمن عليه ناسا بل على العكس من ذلك، سوف يساهم البشر والموارد من مختلف أنحاء العالم فى التحضيرات اللازمة لإرسال البشر إلى المريخ، وسوف تدار الرحلة ذاتها بالشراكة مع وكالات الفضاء فى بلدان أخرى وبمساعدة القطاع الخاص. وبالفعل تعمل الوكالات من مختلف أنحاء العالم معاً لتوسيع معرفتنا للفضاء والنظام الشمسى.
وقد شارك عشرات الآلاف من الأشخاص من 15 دولة فى تطوير وتشغيل المحطة الفضائية الدولية. وبالإضافة إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة لاستكشاف النظام الشمسي، تعكف الدول الآن على أبحاث حرجة حول الكيفية التى يمكن بها الحفاظ على صحة البشر فى الفضاء لفترات طويلة، وفى الوقت نفسه تخفيف المخاطر الصحية مثل فقدان كثافة العظام وضمور العضلات.
وتستمر ناسا بالتعاون مع المجتمع الدولى فى استكشاف المريخ بالروبوتات باستخدام العديد من المركبات الفضائية. وقد ساهمت 5 دول بالأدوات على متن مختبر علوم المريخ (كيرويستى روفر) التابع لوكالة ناسا، بما فى ذلك محطة مراقبة الطقس التى بناها مركز علوم دراسة الحياة فى الفضاء فى أسبانيا. وسوف تقلل هذه الجهود من المخاطر التى ينطوى عليها نزول البشر على سطح المريخ من خلال توفير فهم أفضل لبيئة الكوكب وما يمكنه تقديمه من موارد للمستكشفين فى المستقبل. وتقدم وكالة الفضاء الأوروبية وحدة الخدمات لمركبة ناسا الفضائية أوريون ــ المركبة التى سوف تحمل رواد الفضاء إلى ما هو أبعد من القمر للمرة الأولى منذ برنامج أبولو.
وتقوم شركات خاصة أيضاً بدورها. فالآن تقوم بالفعل شركة" سبيس اكس" وشركة"اوربتل اية تى كي" بنقل الإمدادات إلى المحطة الفضائية الدولية كجزء من برنامج الشحن التجارى التابع لوكالة ناسا، كما تخطط شركة بوينج بالتعاون مع شركة سبيس اكس لبدء إطلاق رواد الفضاء فى عام 2018. وتسعى ناسا أيضا لاختبار تكنولوجيات جديدة مع شركات خاصة على المحطة الفضائية الدولية، مثل الطبعات الثلاثية الأبعاد التى يمكنها أن تجعل استكشاف الفضاء أكثر استدامة، وتقول ناسا "لا نسعى إلى إطلاق رحلة بشرية إلى المريخ فقط لأننا قادرون على ذلك، بل إننا نفعل ذلك لأن ما نتعلمه عن ذلك الكوكب سينبئنا بالمزيد عن الحياة على الأرض".
وتعتقد ناسا من منظور علمى أن المريخ هو المكان الأكثر احتمالاً للعثور على أدلة على وجود حياة خارج الأرض. فقد كان الماء، وهو العامل الحاسم فى الحياة، مستقراً على سطح المريخ لمدة مليار سنة. واستناداً إلى ما نعرفه عن التطور على الأرض، فمن المرجح أن الحياة نشأت على المريخ أيضا. ولكن لأن أشكال الحياة على المريخ ــ إذا كان لها وجود هناك ــ ربما لم تتطور إلى ما هو أبعد من المستوى الميكروبي، وسوف نحتاج فى الأرجح إلى وضع خبراء فى علم الأحياء الفلكى (دراسة الحياة فى الفضاء) وجيولوجيين على سطح المريخ من أجل العثور على أدلة على الحياة هناك.
ويتساءل العلماء، عن الأدلة الأخيرة التى تشير إلى وجود مياه سائلة على سطح المريخ، ما إذا كانت الحياة هناك استمرت مع انتقالها إلى باطن الأرض بعد أن أصبحت الظروف على السطح غير مضيافة على نحو متزايد.
ويوضح تقرير لـ"ناسا" أن هناك أيضاً أسبابا لزيارة المريخ تتجاوز العلوم البحتة. فإرسال البشر إلى المريخ يشكل تحدياً من شأنه أن يشعل شرارة الإبداع وتطوير تكنولوجيات وقدرات جديدة. وتشير التقديرات إلى أن كل دولار تنفقه ناسا يضيف نحو أربعة دولارات إلى الاقتصاد الأمريكى.
وقد شهدت اقتصادات الفضاء رواجاً عالمياً خلال السنوات الأخيرة، باعتبارها نمطاً من الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية المستندة إلى المعرفة العلمية المرتبطة بالفضاء الكونى، بما يسهم فى تحقيق النمو المنظم للأنشطة الفضائية المواتية لاضطراد النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة فى جميع البلدان.
وقد بلغ حجم اقتصادات الفضاء عالمياً ما يقرب من 330 مليار دولار نهاية عام 2014 بمعدل نمو يزيد على 9% مقارنةً بحجمها فى عام 2013، والذى كان مقدراً بنحو 302.5 مليار دولار. ويساهم هذا النمط الاقتصادى فى توظيف حوالى مليون شخص حول العالم، إذ يبلغ متوسط أجر الواحد منهم 110 آلاف دولار سنوياً. وبلغ نصيب الولايات المتحدة فقط من إجمالى هذا الاقتصاد 43 مليار دولار بما يعادل 13% من حجمه، فيما يبلغ إنفاق باقى الدول المنخرطة فى اقتصادات الفضاء 36 مليار دولار بنسبة 11%.
ووصلت الأنشطة الصناعية والتجارية الفضائية إلى ما يقرب من 128 مليار دولار بنسبة 39% من حجم اقتصادات الفضاء، كما يبلغ نصيب الأنشطة الخدمية الخاصة بالمنتجات الفضائية 123 مليار دولار بنسبة 37 %
وتندرج العديد من الأنشطة الاقتصادية فى إطار اقتصادات الفضاء، كالتالي:
1- إطلاق الأقمار الصناعية لأغراض الاتصالات والمراقبة الأرضية: حيث يشهد العالم ثورة غير مسبوقة فى مجال إنتاج الصورة وتوزيعها، نتيجة للنجاح الهائل فى توظيف نتائج تكنولوجيا الاتصال عبر الوسائط الفضائية فى مجال الإعلام المرئى ليرفع من إمكانيات تعميم البث الفضائى عبر آلاف الفضائيات الإعلامية التى خرجت إلى الوجود.
ويتراوح عدد الأقمار الصناعية الفعَّالة حتى أغسطس 2014 حوالى 1235 قمراً، يشكل 54% منها أقمار اتصالات تعمل من خلالها 35650 قناة تلفزيونية فضائية، ويتوقع أن يكون العدد خلال عشر سنوات قادمة 47000 قناة.
أما فيما يخص المراقبة الأرضية والملاحة، فتتم حالياً من خلال الأقمار النانونية، حيث تم إطلاق ما يقرب من 100 قمر من هذا النوع خلال عام 2014. وتوضع الأقمار النانوية عادة فى مدارات دون 300 كم ويتم تجميعها فى المدارات الأرضية الأدنى لغرض المراقبة الأرضية اليومية، بحيث تكون دقة الصور الناتجة بحدود أمتار قليلة فقط. ويقدر حجم الاستثمار فى صناعة الأقمار ومنظومات إطلاقها بحوالى 1.4 مليار دولار أمريكي، وهو ما يوفر فرصاً اقتصادية ضخمة. وكمثال على ذلك، وقعت شركة يوتلسات الفرنسية للاتصالات الفضائية عقداً لاستخدام صواريخ بروتون- إم الروسية فى عمليات إطلاق الأقمار الصناعية إلى مدار فى الفضاء فى الفترة من 2016- 2023.
2- تكنولوجيا المعلومات والإنترنت: ويتم استخدام شبكة الإنترنت بشكل موسع من خلال الأقمار الصناعية، ففى عام 2008 استعمل حوالى مليون شخص بواسطة الأقمار الصناعية الإنترنت بتكنولوجيا حزمة " كى – يو#K-U #. أما اليوم وباستعمال تكنولوجيا حزمة كي- أى #K-I # التى تعد أكثر ملاءمة لاستعمالات الإنترنت، فقد ارتفع عدد المستخدمين إلى مليونى شخص، ويتوقع أن يرتفع عددهم إلى 8 ملايين فى السنوات الـ 10 القادمة، حيث تعد هذه الخدمة أكثر ملاءمة للمناطق النائية التى لا توجد بها خدمات اتصالات أرضية.
3- التنقيب والتعدين فى الفضاء: فقد وقع الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" فى ديسمبر 2015 على قانون المنافسة التجارية على إطلاق المركبات فى الفضاء، ويتضمن هذا القانون بنوداً تسمح للمواطنين الأمريكيين وتشجعهم على النهوض بأنشطة التنقيب واستخراج الموارد من الفضاء، على الرغم من عدم أحقية أحد فى امتلاك أى أجرام فضائية. وبحسب دراسة لطلاب الدراسات العليا فى كلية الأعمال بجامعة نيو ساوث ويلز فى استراليا حول اقتصادات تعدين الفضاء، فإن إنشاء منجم وتشغيله على سطح القمر يعد أقل تكلفة من بناء أكبر محطات الغاز على الأرض، حيث تُقدر التكلفة بنحو 27 مليار دولار.
4- سياحة الفضاء: ويقصد بها السفر إلى الفضاء لأغراض ترفيهية، وتعد هذه الرحلات محدودة للغاية نظراً لتكلفتها العالية. وقدرت أسعار رحلات سياحة الفضاء على متن مركبة سويوز الفضائية الروسية ما بين 20- 35 مليون دولار أمريكى خلال الفترة من 2001-2009، حيث سافر خلال هذه الفترة حوالى 7 أفراد فقط. وقد أوقفت الحكومة الروسية فى عام 2010 رحلات سياحة الفضاء، إلا أنها تخطط إلى استئنافها فى عام 2018. وبشكل عام، مازالت سياحة الفضاء فى خطواتها الأولى، إلا أنه بالنظر لحجم المشاريع المرتقبة يبدو أنها ستحقق تقدماً سريعاً فى السنوات المقبلة. ومن المتوقع أن تصبح السياحة الفضائية سوقاً يعادل قيمة مليار دولار خلال الـ 15 سنة القادمة وفقاً لتقرير صادر فى 2010 عن وكالة الطيران الفيدرالية الأمريكية.
5- النقل الفضائي: اتفقت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطيران والفضاء الأمريكية ناسا مع شركتى بوينج وسبيس اكس، لبناء أسطول تجارى من تاكسى الفضاء بحلول عام 2017 لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، لينتهى بذلك الاعتماد الأمريكى على سفن الفضاء الروسية. وحصلت “بوينج” بموجب الاتفاق على 4.2 مليار دولار، بينما تحصلت “سبيس إكس” على 2.6 مليار دولار. وتدفع ناسا 70 مليون دولار مقابل رحلة فرد واحد على مركبات الفضاء الروسية سويوز، وهى وسيلة النقل الوحيدة المتاحة منذ إحالة الأسطول الأمريكى مكوك الفضاء إلى التقاعد فى عام 2011.
6- الحصول على الطاقة من الفضاء: وتعتبر مصادر الطاقة المتجددة عرضة للتقلب وعدم الاستقرار، حيث تتعرض مصادر الطاقة الشمسية للتذبذب نتيجة لاعتمادها كلياً على حالة الطقس. ولذلك تقوم الوكالة اليابانية للاكتشافات الفضائية بالعمل على إعداد أقمار الطاقة الشمسية الصناعية التى أصبحت مجالاً نشطاً للأبحاث والدراسات والتطوير بالنسبة للوكالة التى تهدف إلى البدء فى البث البعيد للطاقة لاسلكياً فى غضون 15 عاماً، وذلك من خلال مجمع شمسى يزن أكثر من 10 آلاف طن وبعرض عدة كيلومترات على مدار ثابت يرتفع عن الأرض 36 كيلومتراً.
وتلعب اقتصادات الفضاء دوراً متزايداً فى ازدهار وتنشيط المجتمعات الحديثة، وتؤثر على نموها الاقتصادى وتطورها استراتيجياً بفضل الاستخدام المكثف لتكنولوجيا الفضاء، خاصةً الأقمار الصناعية فى مجالات الملاحة الجوية والبحرية، والاتصالات، واستكشاف الموارد الأرضية، والاستشعار عن بعد، ومتابعة الأحوال الجوية.
وتؤثر تكنولوجيا الفضاء فى مجالات التخطيط الزراعى، وإدارة الكوارث والأزمات، ومراقبة الأرض، وحركة النقل، والتخطيط العمرانى الحضري، وهو ما يجعل من كل هذه الأنشطة مُحركاً للنمو الاقتصادى، فضلاً عن توفير العديد من الوظائف فى جميع مراحل الإنتاج الخاصة بالمعدات الفضائية. فعلى سبيل المثال، تعد الصناعات الفضائية البريطانية واحدة من أكبر مصادر الدخل للحكومة، كما توقع وزير الصناعة والتجارة الدولية الماليزى "مصطفى محمد" فى سبتمبر الماضى أن تكسب صناعة الفضاء الماليزية ما قيمته 12.6 مليار رنجيت ماليزى (نحو 3 مليارات دولار أمريكى) من العائدات خلال عام 2015، بالمقارنة مع 11.8 مليار رنجيت (حوالى 2.8 مليار دولار أمريكى) فى عام 2014.
وقد ساهم دخول أصحاب شركات الفضاء الخاصة إلى هذا المجال، فى الانطلاق إلى آفاق استثمارية بلا حدود تقدر فيها الاستثمارات والأرباح بمليارات الدولارات. وفى إطار البحث عن سبل لخفض تكلفة النقل الفضائى خاصةً فى الولايات المتحدة نتيجة تقليص ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، تقرر إدخال القطاع الخاص فى عالم الفضاء وكسر الاحتكار الحكومى لهذا المجال، حيث كانت البداية عام 2008 على يد رجل الأعمال الأمريكى “أيلون ماسك” صاحب شركة سبيس اكس.
ففى هذا العام وقعت هذه الشركة اتفاقاً مع ناسا تلتزم بمقتضاه بإرسال إمدادات حيوية لرواد فضاء المحطة الدولية، حيث بلغت قيمة الاتفاق ملياراً و600 مليون دولار أمريكى، وكانت هذه هى المرة الأولى فى عالم الفضاء الذى تقوم فيه شركة خاصة ببناء صاروخ فضائى.
وثمة أسباب متعددة وراء اقتحام القطاع الخاص مجال اقتصادات الفضاء، والذى ظل لفترة طويلة حكراً على الدول فقط، ومن هذه الأسباب ارتفاع تكلفة النقل الفضائى وتشكيلها عبئاً على ميزانيات الدول صاحبة برامج الفضاء، وسيادة النمط البيروقراطى على أداء وكالات الفضاء الدولية المختلفة وتضخم موازناتها، فضلاً عن رغبة وكالات الفضاء المملوكة للدول فى التفرغ لتطوير مشاريع أكثر أهمية وتعقيداً، والولوج إلى اكتشافات فضائية أكثر تأثيراً على مسار الإنسانية.
أما عن واقع اقتصادات الفضاء عربياً، فقد بدأت الدول العربية فى السنوات الأخيرة العمل على خلق مكانة لها فى مجال اقتصادات الفضاء، لكن خطاها لاتزال بطيئة، حيث إن أغلب الأقمار الصناعية العربية هى صناعة أجنبية ولأغراض تجارية.
وإذا كانت مصر تعد من بين الدول العربية الأولى التى أطلقت القمرين الصناعيين نايل سات 1 فى عام 1998، ونايل سات2 فى عام 2000، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة من أولى الدول العربية التى دخلت سباق إطلاق الأقمار الصناعية لأغراض تجارية واستثمارية عبر التعاون مع شركة طاليس الفرنسية، حيث تم إطلاق أول قمر صناعى ياه سات فى عام 2011، ومن المرجح أن يصل عدد أقمارها الصناعية إلى 18 قمراً فى موعد أقصاه 2018، كما ستحصل الإمارات على أنظمة أقمار صناعية عالية الأداء تراقب الأرض بموجب عدة عقود أُبرمت فى عام 2015.
وتعتبر قطاعات الفضاء والاستكشافات الفضائية بدولة الإمارات العربية المتحدة من أهم محركات الاقتصاد حالياً، حيث تخطت الاستثمارات الإماراتية فى مجال تكنولوجيا الفضاء حالياً عتبة 20 مليار درهم إماراتى أى نحو 5.5 مليار دولار. وقد أسست حكومة دبى مركز محمد بن راشد للفضاء فى عام 2015، ويعتبر المركز عنصراً أساسياً فى المبادرة الاستراتيجية التى وضعتها الحكومة للتشجيع على الابتكار العلمى والتقدم التكنولوجى وتطوير التنمية المستدامة فى دبى والإمارات بشكل عام.
وأعلنت الإمارات عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية وبدء العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربى وإسلامى لكوكب المريخ بقيادة فريق عمل إماراتى فى رحلة استكشافية علمية تصل إلى الكوكب الأحمر فى عام 2021، لتكسر بذلك التركيز التقليدى على تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وبذلك ستكون دولة الإمارات العربية المتحدة من بين 9 دول فقط تطمح لاستكشاف المريخ.