" تسويق البترول " للدكتور صديق عفيفى رئيس أكاديمية طيبة التعليمية ورئيس مجلس أمناء جامعة ميريت، كتاب رائد في مجاله ، فقبله لم يكن بالمكتبة العربية أي مرجع عن تسويق الثروة الأولى للدول العربية وهى النفط العربى ، وقبل هذا الكتاب الرائد لم يكن الأكاديميون العرب يتحركون بشكل علمى مدروس لتسويق النفط ومنتجاته ، وإنما كانوا يعتمدون على أنه سلعة مطلوبة يأتي إليها المشترى ولا تحتاج إلى جهد كبير من البائعين ، وربما ساعد على هذا النمط الشائع من التفكير الطفرة الكبيرة في أسعار البترول بعد حرب أكتوبر 1973 ، حيث قفز سعر النفط نحو عشرين ضعف السعر المتعارف عليه في العالم
ويقول الدكتور صديق عفيفى فى مقدمته للطبعة التاسعة من الكتاب :"قبل نحو ثلاثين عاما انتفض أصحاب البترول فى الدول العربية وساندهم فى انتفاضتهم الدول العربية غير العربية فقاموا بتصحيح أسواق البترول العالمية وفرضوا إرادتهم فى تحقيق أسعار عادلة لثروتهم وارتفع سعر البترول نحو 20 ضعفا وتوازنت الأسواق تحت مظلة السعر الجديد ، ولكن الوضع لم يكن مستقرا تماما ، ولم يكن المستقبل مأمونا بالكامل لأن السيطرة على تسويق البترول كانت للدول المستهلكة وللاحتكارات البترولية الكبرى حيث اكتشفنا أن سبع شركات كبرى هي التي تقرر المصير وهى التي تحدد الأسعار والمسار وكان المطلوب هو أن نفهم كيف يتم تسويق البترول لأنه بدون السيطرة على التسويق يكون المنتجون بلا حول ولا قوة فى أغلب الأحوال"
ويكشف الدكتور صديق عفيفى كيف توجه نحو وضع استراتيجية علمية لتسويق الكتاب قائلا " فى هذه الأجواء المشحونة بالغموض والتوتر وأيضا بالأمل والترقب بدأت رحلة الاستكشاف والدراسة فى صناعة البترول محاولا الإجابة عن السؤال : كيف يتم تسويق البترول؟ ولم أجد وقتها مرجعا واحدا يجيب عن السؤال فى المكتبة العربية كما لم أجد كتابات كثيرة فى المكتبة الإنجليزية وكان الحل الوحيد هو إجراء دراسة ميدانية شاملة فى دهاليز شركات البترول وفى وزارات البترول وصولا إلى محطات تموين السيارات مسلحا بالنظرية العامة للتسويق ومبادئ النظرية الاقتصادية ، واستمرت رحلتى سنتين كاملتين وشاقتين لكن الحصاد كان بالفعل جديرا بالمشقة والصبر ، وصدرت نتائج الدراسة فى كتاب تسويق البترول فى أول طبعة له عام 1975 ليكون مرجعا أساسيا للمهتمين بتسويق البترول ولدارسى تسويق البترول فى الجامعات العربية ومرت السنوات واستمر الاعتماد على الكتاب مرجعا لتسويق البترول فى الجامعات والدورات العربية وصدرت منه الطبعات المتوالية تباعا
استراتيجية شاملة لتسويق البترول
يشتمل كتاب " تسويق البترول " على سبعة أبواب تنقسم بدورها إلى ثمانية عشر فصلا ، بالإضافة إلى ملحقين متخصصين أولهما يختص بتعريف بصناعة البترول لغير الفنيين ، والملحق الثانى عبارة عن مسح شامل لمصادر الطاقة في العالم، والكتاب بأبوابه السبعة وفصوله الثمانية عشرة وملاحقه ، يمثل استراتيجية متكاملة لتسويق البترول العربى ومنتجاته في 600 صفحة من القطع الكبير ، وهو يعتبر مرجعا أساسيا في مجاله على مر السنوات رغم توالى الدراسات التفصيلية من بعده حول موضوع الدراسة.
ويتضمن الباب الأول من الكتاب ستة فصول ، موضوع الدراسة وأسلوب البحث والهدف من الدراسة ومجالات الدراسة وأسلوب الدراسة وصعوبات الدراسة وعرض نتائج الدراسة ، ويأتي الباب الثانى من الكتاب بعنوان "تصميم استراتيجية تسويق البترول - الفرص والأهداف" في خمسة فصول هي "الاطار الفكري لخطوات تصميم الاستراتيجية الشاملة لتسويق البترول ، الهيكل العام لخطوات تصميم استراتيجية تسويق البترول ، تحليل لخطوات تصميم الاستراتيجية التسويقية طبقا للنموذج المقترح ، وتقييم الفرص التسويقية للبترول العربي ، وعوامل تدعيم المركز السوقي للبترول العربي وعوامل التغيير في المركز السوقي للبترول العربي وتقييم الفرص التسويقية للبترول العربي في المستقبل والتغير في مصادر وأساليب إشباع الحاجة للطاقة وتحديد الأهداف التسويقية للبترول و تقييم وتحديد المستويات المثلى لإنتاج البترول في الدول العربية .
ويأتى الباب الثالث من الكتاب بعنوان " استراتيجية المنتجات في الصناعة البترولية " ويتضمن ثلاثة فصول ، ضرورة وظيفة تخطيط المنتجات في الصناعة البترولية والاسلوب العلمي لأدائها وتخطيط المنتجات في مرحلة التكرير ونموذج البتروكيمياويات في تخطيط المنتجات ، فيما يتضمن الباب الرابع "استراتيجية الاسعار في الصناعة البترولية " أربعة فصول أساسية ، تسعير البترول قبل حرب رمضان – أكتوبر 1973 وتسعير البترول بعد حرب رمضان – أكتوبر 1973 وعوامل التغيير في استراتيجيات التسعير مع دراسة حالة في تطور الأسعار والعائدات بالكويت وآثار ارتفاع أسعار البترول واستراتيجية التسعير في المستقبل مع رصد العلاقة مع معدلات التضخم والنظام النقدى الدولى وموازين مدفوعات الدول النامية وأهداف تسعير المنتجات البترول المكررة ورصد الاعتبارات الحاكمة لآليات التسعير.
أما الباب الخامس من الكتاب والذى يأتي بعنوان " استراتيجية التوزيع وهيكل الصناعة البترولية" فيتضمن ثلاثة فصول ، قنوات التوزيع في الصناعة البترولية – مفهومها وأشكال تنظيمها والسيطرة عليها وآثار التغير في هيكل الصناعة البترولية على قنوات توزيع البترول من خلال الشركات المستقلة و الشركات الوطنية والمشاركة والامتلاك والتأميم وقنوات التوزيع في السوق المحلية للمنتجات البترولية والترتيبات البديلة لقنوات توزيع المنتجات البترولية محليا وكيفية اختيار مواقع محطات تموين السيارات .
وفى الباب السادس من الكتاب "استراتيجية التوزيع المادي في الصناعة البترولية" ، يتصدى المؤلف الدكتور صديق عفيفى لوضع تصميم لنظم التوزيع المادي في الصناعة البترولية ، نظام التوزيع المادي من الناحية النظرية وتطور نظم التوزيع المادي في الصناعة البترولية وتقييم الموقف الحالي لوسائل التوزيع المادي للبترول مع تحليل لخصائص كل منها وأسلوب إدارتها ، سواء من خلال ناقلات المحيطات أو خطوط الأنابيب مع وضع نموذج مقترح لتخطيط وتشغيل ومتابعة نظام التوزيع المادي في الصناعة البترولية .
ويأتي الباب السابع والأخير من الكتاب بعنوان" استراتيجية الترويج في الصناعة البترولية " ، ويتضمن استعراضا لاستراتيجية الترويج لتنمية الطلب وأهمية وأهداف وصور الترويج في صناعة البترول وتخطيط الحملات الترويجية ،واستعراض استراتيجية التسويق لتنظيم الطلب واستراتيجية تنظيم الطلب -الدولة المصدرة للبترول واستراتيجية تنظيم الطلب -الدول المستوردة للبترول والسلوك التسويقي لشركات البترول في ظل ازمة الطاقة
نحو اهتمام أكبر بالعمل التسويقى
يستعرض المؤلف الدكتور صديق عفيفى فى كتابه أوضاع صناعة البترول باعتبارها من أهم الصناعات العالمية وهى أهم صناعة على الإطلاق فى بعض الدول العربية إلى حد اعتماد مثل هذه الدول على عائدات البترول كمصدر وحيد أو شبه وحيد لدخولها القومية ويتوقف بالتالى تقدم دول المنطقة العربية إلى حد كبير على مدى النجاح فى التشغيل الكفء لتلك الصناعة ورغم أن التشغيل الكفء يتطلب اهتماما متوازنا بالجوانب المختلفة للصناعة فقد انحصر أغلب الاهتمام حتى الآن على مجال الاستكشاف أو الإنتاج وعلى حساب الاهتمام الموجه إلى العمل التسويقى الذى يلقى أقل مما يستحق من الاهتمام
كما يستعرض الدكتور صديق عفيفى أسباب غياب العمل التسويقى الفعال للصناعة البترولية العربية على النحو التالى:
أولا : كان الطلب على البترول خاما أو منتجات متزايدا بصورة مستمرة خصوصا فى ضوء عدم توافر بدائل رخيصة وتزايد الطلب يقلل من الإحساس بوجود مشكلة تسويقية ويخلق درجة عالية من الاطمئنان إلى مستقبل الصناعة بشكلها الحالي ويصبح الميل أقوى إلى اعتبار التسويق مسألة محلولة ذاتيا ، فالعملاء هم الذين يسعون إلى البائع وليس العكس ويتضاءل التفكير فى تطوير الاستخدامات أو تطوير الأسواق أو تنمية سيطرة الدولة المنتجة على شئون التسويق
ثانيا ، لا تتوافر لدى الدول المنتجة عادة وبالقدر الكافى المهارات والخبرات البشرية اللازمة لإدارة شئون التسويق فى الصناعة مما يدفعها إلى تفويض عملية التسويق بالكامل إلى شركات أجنبية بالكامل أو جزئيا وحتى بعد الامتلاك أو التأميم تلجأ الدول المنتجة إلى إبرام عقود بيع طويلة مع الشركات الأجنبية تؤمن بها تصريف الإنتاج
ثالثا، يعكس مفهوم " التصريف" الفلسفة السائدة بشأن التسويق والتي تعتبره نشاطا فرعيا ومكملا للإنتاج وليس موجها له ، تلك الفلسفة التي تعتبر بالتالى أن مشكلة الإنتاج هي الأهم ويتعين توجيه كل الاهتمام إليها أي أن عدم الاهتمام بالتسويق نابع من عدم إدراك أهميته بالدرجة الكافية
رابعا ، ليس هناك حتى الآن دليل عام لكيفية أداء الأنشطة التسويقية فى الصناعة ، بمعنى عدم توافر أي منهج علمى متكامل يوضح المفاهيم العلمية الحديثة لتسويق البترول
كما يحصر الدكتور صديق عفيفى غياب المنهج التسويقى لصناعة البترول فى الدول العربية فى ثلاثة عوامل أساسية على النحو التالى :
1- يستند العمل التسويقى بالصناعة إلى الخبرة والممارسة التي تكتسب شخصيا بالتجربة والخطأ ويصعب نقلها إلى الغير لعدم وجود مخزون جاهز للخبرة يستفيد\ منه الوافد الجديد إلى حقل تسويق البترول
2- لا تستطيع الدول المنتجة أن تتولى شئون التسويق بالكامل خاصة وأنها تواجه احتكارات عالمية وضغوطا منوعة وتكتلات قد تجعل المهمة غاية فى الصعوبة فى ضوء غياب المنهج المرشد للعمل
3- لا تستطيع الدول المنتجة التدريب الفعال والسريع للكوادر الوطنية على العمليات التسويقية لنقص فى المادة التدريبية ولنقص فى المهارات التسويقية
وترتيبا على ذلك تصبح الحاجة إلى هذه الدراسة فى تقدير الكاتب ملحة للغاية كى يتيسر إعداد منهج علمى متكامل لتسويق البترول خاما أو منتجات يكون بمثابة دليل عمل للمشتغلين الحاليين فى التسويق ، كما يمكن استخدامه فى تدريب الكوادر الجديدة من ناحية أخرى
استراتيجية طويلة المدى لتسويق البترول
يذهب الدكتور صديق عفيفى في كتابه إلى أن التسويق الفعال للصناعة البترولية العربية يتطلب تصميم استراتيجية شاملة متكاملة وطويلة المدى ، تتجلى في إطار فكري ونموذج نظري لكيفية تقييم الفرص التسويقية للبترول ومن ثم تحديد الأهداف التسويق مع تحليل وتقييم الفرص التسويقية للبترول العربى كنموذج للأسلوب العلمى في تقييم الفرص التسويقية وتحليل التغيير في مصادر وأساليب إشباع الحاجة للطاقة باعتبار أن ذلك التحليل يؤثر في طبيعة الفرص من جهة وفى تحديد الأهداف التسويقية للبترول العربى في ضوء المناقشات الجارية في أوساط الدول المصدرة للبترول حول معدلات الإنتاج المثالى وبالتالي الأهداف البيعية الواجب تبنيها.
وينحو الدكتور صديق عفيفى في أسلوب الكتاب إلى اعتماد ثلاثة مناهج رئيسية ، على النحو التالى :
أولا – دراسة مكتبية تتضمن الاطلاع على وتحليل البيانات والبحوث والتقارير المنشورة وذات الصلة بموضوع الدراسة
ثاتيا- دراسة ميدانية بهدف التعرف على وتحليل الأساليب والسياسات والمفاهيم التسويقية الجارية فى صناعة البترول العربية وذلك فى بعض الدول والشركات العاملة فى الميدان باستخدام وسائل البحث المناسبة لجمع البيانات من المسئولين والخبراء الأكاديميين
ثالثا- تحليل منطقى وتنظير استنادا إلى ما يتم جمعه من معلومات فى الدراستين المكتبية والميدانية يقوم الكاتب بعد ذلك بمحاولة تنظيرية مبنية على التحليل المنطقى لإعداد منهج علمى متكامل يمثل نموذجا لتسويق البترول
كما يقسم الدكتور صديق عفيفى أهداف الكتاب إلى أهداف مرحلية وأهداف نهائية ، حيث تتضمن الأهداف المرحلية ، دراسة وتحليل البيئة الفريدة للصناعة من الناحية التسويقية وتحديد خصائص ومكونات تلك البيئة والمتغيرات الحاكمة فيها وبالتالي تأثيرها على العمل التسويقى ، ودراسة وتحليل المشكلات التسويقية فى الصناعة البترولية والأساليب والسياسات العملية الجارية للتغلب عليها والمفاهيم التي تستند إليها تلك السياسات والأساليب ، مع مراجعة المبادئ العامة فى نظريتى الإدارة والتسويق بغرض استكشاف إمكانيات ومجالات تطبيقها فى الصناعة البترولية
أما الأهداف النهائية فتتضمن العمل على سد الفجوة بين المبادئ النظرية العامة للإدارة والتسويق وبين الممارسة العملية لتسويق البترول وذلك بإعداد منهج علمى متكامل لتسويق البترول يكون بمثابة دليل للعمل التسويقى فى الصناعة حاضرا ومستقبلا ، وتقديم التوصيات المنبثقة عن ذلك المنهج العلمى والتي تستهدف رفع كفاءة العمل التسويقى لصناعة البترول العربية كجزء لا يتجزأ من جهود التشغيل الكفء لها
خلاصة الكتاب
الهدف النهائي والأول للكتاب بحسب الدكتور صديق عفيفى هو إعداد منهج علمى متكامل لتسويق البترول ، وبالتالي يقسم فصول الكتاب لخدمة العرض المتسلسل وخطوات تصميم استراتيجية تسويق البترول ، حيث ينطلق فى الكتاب من اقتراح إطار فكرى وخطوات وضع استراتيجية شاملة لتسويق البترول ثم تتسلسل فصول الكتاب بعد ذلك فى تناول كل خطوة من هذه الخطوات بالتفصيل ، إلى أن تنتهى بمجموعة من الملاحق المتضمنة لبيانات ومعلومات عن صناعة البترول والطاقة عموما والمتممة لمادة هذه الدراسة
وتتناول فصول الكتاب وأبوابه مجالين أساسيين ، المجال الوصفى التحليلي ومجال التوصيف والتنظير ، وفى المجال الوصفى التحليلى ، يقدم المؤلف تحليلا لتأثير الهيكل الحالي للصناعة محليا وعالميا وعناصر التغيير فى ذلك الهيكل على العملية التسويقية وتحليلا لتأثير المتغيرات السياسية والاقتصادية المحلية والعالمية على العملية التسويقية وتحليل تأثير إمكانيات وإنجازات التغيير التكنولوجى فى البترول وخارج البترول على العملية التسويقية فى الحاضر والمستقبل ، وتقييم الحلول المطبقة حاليا لمواجهة المشكلات التسويقية فى الصناعة ويتضمن ذلك دراسة وتحليل السياسات الجارية للتسويق فى عدد من الدول والشركات البترولية وذلك فى إطار المفاهيم الحديثة للتسويق
أما فى فى مجال التوصيف والتنظير، فيتصدى الدكتور صديق عفيفى لتحديد إمكانيات تطبيق المفاهيم الحديثة للتسويق فى صناعة البترول وإعداد نموذج علمى متكامل لتسويق البترول على أن يتضمن ذلك النموذج توصيفا للسلوك التسويقى كما يجب أن يكون فى صناعة البترول ويغطى ذلك النموذج استراتيجية المنتجات واستراتيجية الأسعار واستراتيجية منافذ التوزيع واستراتيجية التوزيع المادى واستراتيجية الترويج وتنظيم العمل التسويقى.