ربما اكتشف علماء الفيزياء الفلكية الذين يحققون في أصول درب التبانة "القلب القديم" لمجرتنا، وهو النواة الأصلية القديمة التي نمت حولها جميع النجوم والكواكب في المجرة، وتقع مجموعة من 18 ألفا من أقدم النجوم في مجرتنا، في كوكبة القوس (كوكبة الرامي)، وهي من مجرة درب التبانة البدائية، عبارة عن كتلة بدائية من الغاز والغبار تشكل النجوم الأولى لمجرة صغيرة، عمرها أكثر من 12.5 مليار سنة.
ووفقا لما ذكره موقع "RT"، وجد العلماء أن المجموعة تمثل ما يقدر بنحو 0.2% من إجمالي كتلة مجرتنا، وهي النواة التي نمت حولها مجرة درب التبانة في النهاية، ورغم أن هذه النتائج نشرت منذ 8 سبتمبر في مجلة arXiv، إلا أن مراجعتها لم تتم بعد لتحديد مدى دقتها.
ولاكتشاف المجموعة البدائية من النجوم، اعتمد علماء الفلك على بيانات من مرصد غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وهو كناية عن مركبة فضائية تزن 1630 كغ، تم إطلاقها في عام 2013 بهدف إنشاء الخريطة الأكثر تفصيلا ودقة لدرب التبانة.
وقال عالم الفلك في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك في هايدلبرغ بألمانيا، هانز والتر ريكس، لموقع "لايف ساينس": "لقد ساد الاعتقاد منذ فترة طويلة (على أساس النظرية والمحاكاة) أن أقدم النجوم يقع في قلب المجرة، وأظهرنا الآن وجودها هناك بأعداد كبيرة، الأمر يشبه استخدام علم الآثار في مدينة قديمة. لقد أظهرنا أن الآثار الأقدم والأكثر بدائية تقع في وسط المدينة الحديثة.
بدأ العثور على القلب القديم لمجرتنا بالبحث عن نسبة ضئيلة من النجوم في نفس عمر مجرة درب التبانة، البالغ نحو 13 مليار عام، في المنطقة الأكثر ازدحاما، منطقة الانتفاخ المجرّي (المجموعة المركزية من النجوم).
ولرصد هذه المجموعة الصغيرة - وهذا أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش - فحص العلماء البيانات التي جُمعت من غايا من مليوني نجم تقع على بعد 30 درجة من مركز المجرة، بحثا عن نجوم ذات كتلة منخفضة وأطول عمرا وذات محتوى معدني منخفض.
وقد وُلدت النجوم المطابقة لهذا الوصف في ظروف كون أصغر بكثير لم يكن ممتلئا بعد بالمعادن الثقيلة المنتشرة على نطاق واسع بسبب انفجارات المستعِرِ الأعظم.
ولكن هذا ليس سوى نصف القصة، حيث أن النجوم الفقيرة بالمعادن داخل مجرة درب التبانة ربما أتت أيضا من مجرات قزمة أصغر تحطمت واندمجت بمجرتنا طوال حياتها.
ومن خلال فحص مسارات هذه النجوم عبر الفضاء مع الاحتفاظ فقط بتلك التي لم تنحرف إلى المناطق الفقيرة بالمعادن في المجرة، تمكن العلماء من فصل النجوم التي تشكل القلب القديم عن النجوم التي نشأت في المجرة القزمة.
وترك هذا للعلماء بعض الهياكل الأصلية للنجوم التي نمت حولها مجرة درب التبانة - عددها يقدر بما بين 50 مليون إلى 200 مليون ضعف كتلة شمسنا.
ونظرا لأن النجوم الأثقل تموت أسرع من النجوم الصغيرة، فإن النجوم المتبقية تكون في المتوسط أخف بنحو 1.5 مرة من الشمس، وفقا للعلماء.
وقال ريكس: "تشكل هذه النجوم حوالي نصف الكتلة النجمية الكلية عند ولادتها. لذا، ما يقارب نصف النجوم من المجرة الأولية باقٍ حتى الآن".
وكشف فحص العلماء للقلب القديم المكشوف لمجرة درب التبانة عن شيئين: أولا، نظرا لأن نجوم المجرة البدائية القديمة تدور بشكل أقل حول مركز المجرة مقارنة بالنجوم الأصغر سناً، فإنها تؤكد الملاحظات السابقة ألا وهي أن نواة مجرة درب التبانة بدأت حياتها ثابتة، وفي النهاية اكتسبت سرعة في الدوران مع نمو مركز كتلة المجرة.
وثانيا، على الرغم من الاندماجات المتعددة مع المجرات الأصغر، فإن التجمعات القريبة من النجوم في مركز مجرة درب التبانة تشير إلى أن قلبها لم يتعرض لغزو تصادمات من مجرات أخرى.
وكشف ريكس أن "مجرة درب التبانة لم تتأثر قط بشكل كبير. لقد عاشت مجرتنا حياة محمية".
ومع مزيد من الدراسة، يأمل الفريق أن يتمكن القلب القديم للمجرة من تعليمهم المزيد عن السنوات الأولى لدرب التبانة، مثل أنواع المستعرات الأعظمية التي لا بد أنها انفجرت خلال وقت إنشائها لإنتاج نسب العناصر الكيميائية المبكرة التي نراها اليوم.