أصدق فى فكرة (الفضفضة) بشكل شبه ضعيف، وفى أضيق الحدود، اعتقادا منى أن (الفضفضة) لا تسمن ولا تغنى من جوع، كما أن خروج سر من بين شفتيك، لهو بمثابة ذل ساكن، ينتظر ساعة الصفر.
وبعيدا عنى، فإن غالبية البشر وعلى وجه الخصوص فى عالمنا العربى، تلعب الفضفضة دور عظيم وأساسى فى حياتهم، تمثل مادة تعتمد عليها الثرثرة فى الهاتف أو أثناء العمل، أو فى الجلسات العائلية وجلسات الأصدقاء، وأرى فى عيون (المفضفضين) راحة حقيقية بعد الحديث عن سبب انزعاجهم أو ما يسبب لهم الضيق، وهذا مكسب كبير أن يريح بعضنا الآخر أو ندعم بعضنا ولو بالإنصات.
ملاحظتى فى هذا الشأن، انقسام هؤلاء إلى مجموعتين؛ الأولى وهى الأكبر عددا، تسرد القصص والأحداث ابتغاء الراحة والتخلص من الضغوط، يستأذنون قبل البدء فى الحديث ويتحدثون على استحياء شاعرين أنهم يسببون لك انزعاجا أو مضايقة، والأمر كله محض فضفضة، لست مطالبا إلا بالإنصات أو بإعطاء نصيحة ختامية، أما الحل فهو ليس من واجباتك .
ولكن المجموعة الثانية؛ بقلة عددها تثير داخلى دهشة بحجم نهر النيل، ناهيك عن أنهم عادة ما يقصون القصص السوداء، وتملأهم الثقة بأن هذا واجبك وأنه من صميم أعمالك ؛ أن تنصت وتركز وتشفق وتمعن النظر وتحل المشكلة بدلا عنهم، وإلا فأنت حجر .
بعض هؤلاء يسترسلون ويسترسلون حتى يتأكدون أنهم صدروا إليك أكبر قدر من النكد، فهم يتحدثون وعيونهم فى عينيك، يتابعون مدى التأثر، وكأنهم يسألونك؛ هل تأثرت بالشكل الكافى؟، هل دمعت عيناك؟ هل أشفقت علينا؟ هل ستحل المشكلة كلها بمفردك؟ هل أخذت القدر الكافى من الحزن والغم؟ أم ليس بعد؟ هل نقلت لك طاقتى السلبية كلها، أم مازلت تحتفظ ببعض إيجابيتك؟
عزيزى القارئ، لا يوجد علاج لمثل هؤلاء.
إن استطعت الفرار، فافعل على الفور ولا تهيئ الظروف للتواجد معهم، وإن كنت مرغما عليهم والأمر خارج سيطرتك، فالويل لك.