محمد بغدادى يكتب: الإدارة.. وصراع الموت والحياة

هل يمكن القضاء على ما يؤلمنا؟ هل يمكن أن نحيا حياة طيبة؟ هل يمكن أن نقتل الاكتئاب والضيق النفسي؟ هل بإمكاننا أن نطمأن على مستقبل أولادنا وأحفادنا؟ هل يمكن أن نسعد ونعيش الحياة بسهولة ويسر؟ هل يمكن أن نرى منظماتنا ومؤسساتنا تقدم لنا خدمات بطريقة آدمية تحفظ لنا حقوقنا؟ هل يمكن أن نصبح كأوروبا أو أفضل بكثير؟ كيف استطاع الغرب أن يتقدم؟ وما دوافعه؟ وما حساباته؟. الإجابة تبدو فى كلمة واحدة، نعم، وكيف؟ بالإدارة الجيدة الناجحة، فأوروبا والولايات المتحدة وروسيا والغرب لم يقدم جديداً، فلم يتم اختراع جهاز استطاعوا به جميعاً أن يصبحوا متقدمين بين عشية أو ضحاها، لم تقتنص الصين الفرصة لتنمو لولا وجود إدارة فعالة ذات رؤية ورسالة واضحة استطاعت بها بكين أن ترسم خريطتها التقدمية أمام العالم بسلسلة من القوانين الإدارية التى غيرت مجرى الحياة فى بكين، والجميع يشاهد طوكيو التى استطاعت وبقوة أن تغزو منتجاتها العالم ونافست واشنطون فى ذلك، وجعلت العنصر البشرى هو قاطرتها نحو التنمية واستثمرت به على الرغم من مواردها المحدودة، والآن يتم تدريس التجربة اليابانية فى كبرى الجامعات الغربية والشرقية، فالإدارة ثم الإدارة إذا تم استثمارها الاستثمار الأمثل الحيادى بعيداً عن الانتماءات السياسية والحزبية، بعيداً عن قوانين بالية، بعيداً عن عقود متهالكة من لوائح قامت بقصم ظهر مؤسساتنا، فالإدارة هى اللغة وكلمة السر الحقيقية لتغيير شكل واتجاه الدول نحو ديمقراطية سليمة لا ينقصها شىء، وسياسات تقوم على المشاركة فى صنعها، أن القارئ الجيد لتاريخ الدول يجد سهولة فى أن يضع يده على المشكلة وحلها فى نفس الوقت، وما قيام الحضارات القديمة إلا باستثمار جيد للطاقات المادية والبشرية بطريقة إدارية بحتة، فالفراعنة القدماء حركوا الأحجار التى تزن 2.5 طن للحجر الواحد من أقصى الصعيد بأسوان إلى الجيزة لتشييد الهرم الأكبر بأكثر من 150 ألف عامل، وما سور الصين العظيم ببعيد عن عمليات الإدارة الناجحة، فلقد تم إدارة أكثر من 300 ألف عامل لبناء هذا السور فى وقت قياسى، وما الحضارة الهندية والبابلية والإغريقية إلا مزيج من تخطيط وتنظيم وتنسيق وتوجيه للجهود من أجل تحقيق الأهداف بتكاليف أقل وبجودة مرتفعة وفى وقت محدد. وعندما نذهب أسيوياً نرى كيف استطاع مهاتير محمد تغيير خريطة ماليزيا وشكلها وقيمها وتقاليدها للأفضل فى كافة المجالات والأصعدة السياسية والاجتماعية والتعليمية والسياسية فى وقت قصير جداً، وعندما نذهب جنوباً فنرى نيلسون مانديلا الذى جعل من جنوب أفريقيا دولة قوية فعالة فى جنوب القارة السوداء، ومارجريت تاتشر ليست ببعيدة عن الإدارة الناجحة فى حسن التوجية واستثمار العقول وعمل تعديلات وتقسيمات إدارية خلقت من بريطانيا دولة عظمى فى فترة من الفترات، وما الولايات المتحدة ورؤسائها ببعيدين عن الإدارة الناجحة فالعقل المدبر لسياسة واشنطون يسمونه بالإدارة الأمريكية، وما استطاع البيت الأبيض أن يقود الدولة الرأسمالية إلا بمنظومة إدارية قوية وفعالة استطاعت بها واشنطون أن تحافظ على الصدارة وتصبح فى قلب الحدث، وعندما نصل موسكو فالنعرف التغير والاستمرارية عند التعامل مع قضية الإدارة. ففى فترة رواج الاتحاد السوفيتى استطاع منافسة غريمه التقليدى الولايات المتحدة بحرب باردة حافظ كلاً منهم على قوته أمام الآخر وأصبحت الكلمة العليا للسلاح النووى للحفاظ على نقاط الردع لكلا الفريقين، وفى النهاية انتصرت الإدارة الأمريكية وعن جدارة بخلخلة الكيان الشيوعى وانهياره مع بداية التسعينيات فى أقوى تقدير للموقف يأتى من إدارة واشنطون وسوء تقدير للموقف والذى أتى من القطب الشيوعي. كما أن رؤساء الولايات المتحدة المختلفين ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين قادوا بلا شك عمليات إدارية فعالة بمنظومة إدارية مؤسسية حافظوا بها على تربع واشنطون على عرش الرأسمالية العالمية، ولم تستطع إحدى الدول حتى الآن أن تنافس واشنطون منذ انتهاء الحرب الباردة مع بداية 1990، إلا فى بعض التكنولوجيات الحديثة كاليابان والصين، ولا يزال للولايات المتحدة الصوت العالى فى الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المختلفة، أن عالم اليوم يستطيع أن يحيا حياة تشملها الطمأنينة إذا تم إعطاء الأمر لأهله بخطوات إدارية محسوبة ومدروسة وبعمليات يعلوها التخطيط ويساندها التوجية ويخضع لها التنظيم والتنسيق، وفى نهاية القول إذا أصبح مدير المستشفى إدارياً ناجحاً فنستطيع أن نحصل على علاج فعال ومؤثر وطبيب متخصص وأجهزة بجودة عالية وتعامل آدمى وخدمة ذات كفاءة وفعالية ممتازة. فالإدارة مهمة على الصعيد الخاص والعام والعالمى حيث يحتاجها الإنسان لكى يخطط لنفسه ووقته قبل أن يبدأ فى إدارة الآخرين من خلال التنظيم والتخطيط وهى مهام رئيسة من مهام الإدارة المتميزة، وتأتى بعدها بقية العناصر الأخرى كحل المشكلات واتخاذ القرارات التى يحتاجها الأفراد والمجتمع بشكل عام، فيا مثقفى العالم ويا باحثى وطننا العربى لسنا فى حاجه إلى مزيد من نظريات ونماذج وتحليلات بقدر ما نحن فى أمس الحاجة إلى أن نضع ونحدد المشكلات أمام صناع القرار، وهذه المشكلات هى التى يأن منها العالم فى دوله الفقيرة التى لا زالت تعانى أمراضاً وفقر وجوع وسوء توزيع لموارده، أكاد أن أجزم أن ما نحن فيه من تدهور فى عالمنا العربى يأتى بلا شك من سوء استغلال الإدارة وعدم الحيادية الكاملة لها ؛ لإنها أصبحت ملتصقة مع السياسة وانتماءاتها الحزبية ودوافعها غير واضحة المعالم، فالأمر جلل ولكن الخطوات واضحة وتبقى الرغبة فى إعادة صياغة العمليات الإدارية بما يخدم الدولة والمواطن.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;