نحن كشعوب عربية ننتظر ما يقوله أو يفعله أو ينتجه الغرب لنصدقه ونستخدمه ونجعله موضة نتباهى به حتى على بعضنا رغم تفاهته ونتناسى أنه أحيانًا يخالف ديننا وتقاليدنا ونتجاهل أنه يستنزف أموالنا لمصلحتهم نقوى به اقتصادهم ونضعف به اقتصادنا وقدراتنا ويجعلنا تابعين اقتصاديا وفكريا فى احتلال من نوع آخر، وهنا لا يكون هناك أدنى قدرة على المقاومة فأما الخضوع وإلا سيهددون بلدنا بافتعال أحداث ومؤامرات لمعاقبتنا ومحاصرتنا إن خالفناهم أو أردنا امتلاك أرادتنا.
وفى سعيهم للسيطرة وفرض التبعية على دول العالم بكل تنوع قومياته ودياناته سعوا إلى إقرار نظام عالمى جديد بفرض العولمة وتم الترويج على أنها لمصلحة الشعوب ستجعل العالم قرية صغيرة تساعد على تطوير الأعمال وزيادة القدرات المالية والرفاهية للشعوب وإزالة الحواجز بين الدول وحرية الفكر والإبداع وانفتاح الثقافات واستبشرنا خيرًا.. وبدلاً من أن تقوم الحكومات والمثقفون وأصحاب الخبرة والرأى بالاستعداد لمواجهة مخاطرها وتأثيراتها وتوعية الشعوب لما يمكن ان يحدث من هذا الانفتاح وكيفية التعامل معها بما يحافظ على قيم وأعراف مجتمعاتنا العربية.. ولكن استغلها خفافيش الظلام لتحقيق الأرباح المالية السريعة وإثارت الأفكار الشاذة لتجهيل الشعوب المقهورة تحت دعاوى الحرية والتطور والمدنية والثورية والديمقراطية والخلافة المزعومة فانهارت القيم والأخلاق، وزادت البطالة والفقر والفساد واختلط على الناس الدين بسبب اختلاف رجاله فى تفسير المتغير الجديد وتحديد طريقة مواجهة سلبياته والتعامل معه.. ولكن استغله بعضهم فيما يخدم أفكارهم وجماعاتهم وأصبح الخلاف والاختلاف والإرهاب هو الوسيلة لإثبات الوجود فانهارت الشعوب وتفككت الدول وتشرد المسلمون وأصبح الإسلام هو المتهم بسبب عدم استعداد رجال الدين لمواجهة ذلك المتغير الجديد الذى كان أقوى بأدواته.
ومن الكوارث الخفية عن الأنظار التى ربما تعانى منها مصر مستقبلاً أنها تشهد نشوء أضعف أجيالها أمام أصعب الظروف التى تمر بها مصر فى تاريخها الحديث مقارنة بجيل حرب أكتوبر، فالجيل الحالى جيل ضعيف فى المعرفة بقيمة مصر وتاريخها جيل اغلبه امتصته العولمة وأثرت فى حياته وقيمه وطريقه تفكيره وزرعت فيه الجانب المادى سواء فى المواقف او المعانى الموروثة منذ حرب أكتوبر كالوطنية والولاء والانتماء لبلده والثبات على هذه القيمة.. استغلته العولمة وأثرت فى طريقه فهمه للحقوق والحريات والثورات وملأت عقولهم بتجارب مرت بها دول أخرى وفروا لها سبل النجاح لتكون مثال للشباب الطموح أو اليأس أو أنصاف المتعلمين ومحبى الاختلاف والجدال والمتطلعين للثراء السريع بدون امتلاك مقوماته، وليصدروا لنا هذه التجارب لنتشبه بهم بدون الأخذ فى الاعتبار ظروف وتقاليد وأعراف وتوجهات شعوبنا ومدى ملائمة هذه التجارب، وأصبحت مصر بالنسبة للكثيرين منهم كالفندق حين تسوء فيه الخدمة لا ندين له بالولاء أو الانتماء إلا لو تم تنفيذ ما يريدون فى انفصال عن المعرفة بقيمة مصر وتاريخها لأنهم أبناء التجربة الحالية العولمة، حيث لا حواجز ولا حدود فالعالم فيه قرية صغيرة ولكن مفككة تسير وراء القوى اقتصاديا وإعلاميا وعسكريا.
عرفنا أخيرا أن ترويج العولمة كان وفق ما يراه الغرب لنا ويحقق مصلحتهم فى السيطرة والبقاء أقوياء فى الأساس بإضعاف وتفتيت النسيج الاجتماعى للدول التى لا تدور فى فلكها عن طريق استغلال الظروف التى تمر بها هذه الدول وإخضاعها أو تفتيتها وأصبحنا ندور فى دائرة مفرغة من الفوضى والاضطراب وخلط المفاهيم والقيم حتى أصبحنا نحتاج إلى معجزة للخروج مما صرنا نعانيه .