هل عرفت الفرق يوما بين الترفع والسلبية؟.. هل مارست السلبية والتخاذل وأقنعت نفسك أنك تترفع عن الصغائر ولا تبالى بالتفاهات؟.. من الصعب التمييز بين الاثنين، وحتى إنه لمن الصعب على الواحد منا فهم ذاته فى مثل هذه المواقف. فهو قد يكون متخليا عن حقه أو حقوق آخرين ، ويتصور أن ذلك عين الحكمة والسداد بينما هو عين السلبية والجبن.
بدأت أراقب نفسى فأرى أن التنازل الدائم عن تسجيل موقف متصورة أن فى هذا تعالى عن صغار العقول، وابتعاد بنفسى عن قاذورات القاع ؛ هو محض هراء. كنت أصدق نفسى وأستريح لهذا التصور، مارسته لسنوات طوال حتى احترفته وأصبح من أكثر سماتى وضوحا، وبعد مواقف متكررة وتنبيه بعض المقربين عرفت أن الأمر يدخل بى فى دائرة الضعف والجبن والتقاعس بل والانهزام.
فالمغالاة فى التغاضى والتساهل والمسامحة والصفح يقود إلى الركون والوهن الذى يقود بدوره إلى التثاقل والخور، حتى أننا نصحو من قمة الاعتقاد بالنضج والكياسة والزهد فى الحقوق إلى مفاجأة الإحساس بالجبن والوهن.
من يصل إلى هذه النقطة لن تكون عودته لسالف عهده من القوة والهبوب بالأمر الهين أو السريع، وإنما سيحتاج إلى الكثير من العزم والكفاح والإقدام، ولكن لا مفر.
غير أنه من بين أكبر العقبات التى ستعترضه أثناء هذه الهبة هى عدم تقبل المحيطين به هذا التحول، فقد اعتادوا عليه متوانٍ، مفرط، متناسٍ، متغابى ويصفح فى كل المواقف، فإذا به إنسان حساس، ناقم، ساخط، شاجب ويدقق فى تفاصيل كثيرا ما أغفلها وأحجم عن التركيز عليها وذكرها.
وبأثرة هؤلاء وعدم مساندته، سيبقى أمامه أحد خيارين؛ إما أن يستمر متهاونا ومحجما فى ترفعه الذى أدرك زيفه، وإما أن يتآزر ويتساند ويخلع تلكؤه وتقصيره ويتنازل عن كل ما يجره إلى الخور المغلف بقشرة الغفران والترفع.
إما أن يعيش ناقما على نفسه أو ناقما على الناس!
وكما بذل الكثير أثناء تحوله من مقدام مهتم إلى خائر سلبى، سيبذل الكثير أثناء عودته من متقاعس إلى قوى شديد، فيكون قد دفع الثمن مرتين لأنه لم يختر من البداية التوسط فى القرار.
يا له من صراع إقدام إحجام مزدوج.
وله الاختيار!