من جديد يمنحنا الشباب المصرى املاً كعادته ويُضىء لنا شمعة وسط ظلام مُفتعل خيم على وجدان الأمة وأفقدها بعضاً من الثقة فى شبابها العظيم وقدراته المكنونة.. ليست محاولة لكتابة مقال سياسى هذه المرة، ولكنها مجرد مشاعر بسيطة من قلب مصرى عاشق للوطن وشبابه المُبدع..!!
وسط افتراءات كثيرة تملأ اجواء المدينة عن انزواء الشباب وتدنى درجة اهتمامهم بأحوال الوطن وصولاً لحديث مغلوط ومتكرر أحيانا بأن الشباب المصرى قد عاد خطوات كثيرة نحو الخلف أخلاقياً وفكرياً.. وسط كل هذا الهراء المحزن تحمل لى مواقع التواصل الاجتماعى مساء الأمس قصة قد تكون بسيطة فى أحداثها ونتائجها إلا أنها تبدو عظيمة جداً فى معناها المُعبر عن معدن أصيل لهذا الشباب المصرى حين يوضع فى اختبار مباغت يختبر أخلاقه وموروثاته وقيمه النبيلة التى تميز هذا الشعب رغم الأزمات والتقلبات المتعاقبة علينا..
فبطل الرواية شاب سكندرى صغير عائد إلى منزله بعد يوم مرهق لا يفكر سوى فى النوم والراحة ولا يخطر بباله أنه سيتعرض فى ساعات الليل الأخيرة لموقف يجعله على محك خطير قد يعصف به، ففى طريق عودته داخل إحدى سيارات الأجرة متجهاً إلى أطراف المدينة يلاحظ وجود فتاة صغيرة فى العشرين من عمرها تركب نفس السيارة وعلى وجهها علامات الخوف والقلق حتى يهبط جميع الركاب تباعاً ولا يتبقى سوى الشاب والفتاة والسائق الذى ظهرت عليه علامات الانحراف والاهتمام غير المشروع بتلك الفتاة.. دقائق تمر ويقترب مكان نزول الشاب ليجد الفتاة تحدثه بصوت منخفض مرتعش لتبوح له بخوفها من وجودها بمفردها مع هذا السائق بعد نزول الشاب خاصة وأنه ينظر لها منذ ركوبها نظرات مريبة، وكأنما قد قرر افتراسها فى تلك المنطقة النائية فور نزول جميع الركاب.
لحظات تمر على بطل القصة بين الشك فى القصة والخوف من تعرضه لكمين مدبر من السائق والفتاة لاصطياده هو، وبين أن يكون إحساس الفتاة الصغيرة حقيقى وأنها بالفعل فى خطر مُحدق، ليقرر فى النهاية بفعل فطرته السليمة وعبقرية الشاب المصرى فى الأزمات أنه سيكمل المشوار حتى مع تنبيه السائق له بأن مكان نزوله قد أتى إلا أنه يرفض النزول ويستكمل المسيرة مع الفتاة حتى آخر الطريق بعيداً عن مسكنه، مع نظرات غاضبة من السائق الذى فسدت خطته فى افتراس الفتاة ليصلا فى النهاية لمكان نزولها وليجد والد الفتاة فى انتظارها ليُسلمها له مصونة معززة، وليأبى الرجل إلا أن يرد الإحسان بالإحسان، فيشكر الفتى ويصمم أن يوصله إلى بيته بسيارته وسط لعنات وشتائم مكتومة من السائق الذئب الذى خابت خطته.
قد تبدو قصة بسيطة جداً ولا تستحق كل هذا السرد، ولكن حين تتعمق فى الموقف ووسط حالة اللامبالاة التى صرنا نعيشها جميعا مؤخراً ستكتشف أن هذا الشاب قد فعل شيئاً رائعاً من اتخاذ القرار وتحمل عواقبه المجهولة، والإصرار على سلامة فتاة لا يعرفها فى ظروف غامضة، ووسط منطقة نائية يمكن أن يحدث فيها أى شىء وكل شىء..
إنه الشاب المصرى فى كل ربوع الوطن مهما حاول البعض تغييبه والعبث بأفكاره وثوابته فى حرب فكرية يشنها علينا الأعداء ليل نهار لإسقاط الشباب المصرى فى فخ التغريب وفقدان القيم والأخلاق، ولكن عبقرية المصريين تفسد دائماً كل هذا الغزو لتُثبت أن مصر بخير وأن شبابنا جاهز دائماً للاختبار وتجاوز المحن.. حفظ الله شباب مصر العظيم.. حفظ الله الوطن..