أنفاسا تلحقنا وأنفاسا نُلحقها بل نستجمع كل قوتنا من أجل أن نصل إليها.
اليأس والإحباط والفشل قادرين على زلزلة جدران الأمل والتفوق ومساواة الطموحات بالأرض وإزالتها وإلقائها فى سلة المهملات.
سلة القمامة السوداء القئ فيها أنور مستقبله وانطلق مسرعا نحو الغابة متّخذا فى قرارة نفسه العُزل الأبدية.
انطلق كالطائرة المغمضة العينين ويسيل من تحت الجفون المغلق سيول دماء الماضى الأليم على نفس الخط يسيل معها العرق المُتصبب من جسده.
كان الذى يدفع هذه السيول الألم ، الآمال الرخوة، وأهداف أفطمت قلبه أوجاعَا قبل إنجازها ، وأثناء انطلاقه فى الغابة، وهو لايدرى أين يتوجه.
فجأة وقع فريسة للأشجار المتوحشة فأخذت تربط يديه ورجليه باغصانها واحكمت الربط، ثبتَتته على الأرض.. صمت سيول الدموع وزادت من سيول العرق ، وأجبرت العيون على أن تنفتح على الخوف والرعب والأرتباك.
تمنى لو رجع به الزمان إلى الماضى ، لن يختار هذه الغابة حتى يهرب فيها أين المفر ؟ أين النجدة؟ لايوجد أمامى سوى الصراخ لتجلب لى النجدة ولكن ماذا سوف تحمل له هذه الصرخة، اكيد لن تحمل النجدة البشرية ، بل نجدة متوحش مفترس، بالتأكيد أنها لن تنقذه وأنها سوف تلتهمه.
الإ أن صرخات الجروح كانت أقوى لدرجة أنها جعلته يستسلم ويصرخ حتى يقدم ما يخلصه من ألم الدنيا، وتنقله إلى دار الرحمة الأبدية.. صرخ صرخات هزت أرجاء جدران جسده وقلبه قبل أنتشارها فى كل أرجاء الغابة، وبدرجة قوة إندفاع الصرخات كان يندفع معها الخوف والرعب والعرق.
كان كل جسده وجوارحه تتزلزل بالدعاء إلى الله وتتمنى لو يرجع طفلا صغيرا كلما أرهقته متاعب الحياة توجه إلى أحضان أمه حيث الدفء والحنان والحماس ، يعلم أنه مستحيل، ولكن الدعاء يعمل المعجزات.
فجأة ظهرت المعجزة التى كان يرجوها من رب العالمين ، المعجزة التى هدأت من روعه وحركت لسانه بكل قوة وطلاقة وكأنه كان سجينا طال صرخه داخل جسده.
أنور: كنت متأكد أنك لم تموتى لذلك جئت إلى هنا لكى ابحث عنكى، تتذكرين أخر كلامك معى عن الدنيا، الدنيا غابة كبيرة اصبحت الأخلاق والمبادئ والقيم مثل الأوراق رغم أنها لابد أن تكون الجذور، ولكن هذه الأوراق تتساقط على طول الزمان وأحرص دائما أن تكون الأخلاق هى الجذوز وليس الأوراق.
ولكن عندما تركتنى وحيدا أكتشفت أن الأوراق قد تساقطت والغابة ظلم وظلام،
لماذا أنتِ ساكتة ؟!هل ظهرت حتى ارى صمتك فقط؟.
المفاجأة الثانية التى أعادت إليها الخوف والهدوء فى نفس الوقت، كانت مسرحا كبيرا، أخذ يعرض له استعراضا كان هذا الإستعراض يثير فيها أنفاسا غريبة قوية أنعشت عقله وجسده وقلبه منحته القوة والرغبة فى العودة إلى الوراء واستقبال المستقبل بروح المغامرة والتحدى والخروج من الغابة الأن، ولكن هل فات الاوان؟ هل هذه النباتات المتوحشة التى حبست جسده بين أغصانها سوف تقضى عليه.
ولكن القوة التى منحتها له هذه الأنفاس جعلته يقاتل بكل قوة بسيف الطموح والأراد لكى يتخلص من الأستسلام لن يتركه يتمكن منها هذه المرة.
وأخذ يقاتل ويقاتل حتى تخلص من هذه الاشجار المتوحشة وأنطلق نحو أمه واحتضنها، وأخبرها أنه كان مشتاقا إليها كثيرا، وأن الدنيا جعلته يكون أنسانا يائسا بائسا خائفا من كل شئ مستسلما اللإكتئاب والإحباط ، وقاتل للإرادة التى لابد أن يتمسك بها حتى يصل إلى بر المستقبل المشرق ويحقق أهدافه.
الأم: لاأريد أن تأتى إلى هذا المكان مرة أخرى وأنت ضعيف حزين بل أريد البسمة ولا تدعى اليأس أمامك، كلما كثرت المصاعب تدرك أن ماتريده شيئا عظيما، وسوف يصبح أعظم بالنضال والتحدى، وأصعب تحدى هو تحدى الذات ، هيا لكى تلمس مستقبلك أنت الأن تشبعت بأنفاسه أنطلق وأمسكه.
توجه مسرعا نحو مسرح أهدافه وأختراعه حتى يلمس تحقيقه، ولكن فجأة أختفى كل شئ، كان سراب خيال فرجع إلى أمه مرة أخرى وجدها أختفت ، أخذ يصرخ ويصرخ كل شئ سراب خيال أين أنت ياأمى؟.
أستيقظ وجد نفسه فى المدافن بجوار قبر أمه ويد الحارس التى أيقظته على كتفه.
قال الحارس: ماتت ولكن دائما هى تحس بك وبجوارك تحس بوجودها عندما تجعل لنفسك فرصة تحس بها.
هدأ روعه وأحس أن أمه بجواره فعلا وأحس بأنفاس غريبة نفس الأنفاس التى أحس بها عندما كان فى حلمه أنفاس المستقبل أم أنفاس أمه ولكن الرسالة وصلت يا أمى.
ترك المدافن وعلى وجهه ابتسامة وتوجه إلى المنزل وأخذ الأوراق من السلة السوداء وأخذ يعيد النظر وروحه مملوءة بالحماس والأمل، ومتشبعة بأنفاس المستقبل.