إذا كنت باحثًا تقوم بعملِ دراساتٍ عُليا فى تخصصٍ ما، فإنك مؤهل وبشكلٍ كبير أنْ تكون هدفًا لبعضِ دور النشر المُتخصصة فى جذب الباحثين لعملِ كتبٍ تُجارية لا علمية ؛ من أجلِ تحقيق ربح وفير لهذه الدور عند بيعها لتلك الكتب خارج مصر، وفى نفس الوقت تُغرى طالب الماجستير أو الدكتوراه بشيئين الحصول على مبلغ من المال – يصل لعدة آلاف – وفى نفس الوقت اسمه يكون على كتاب، فى الغالب لن يحصل على هذه الميزة فى وقتٍ قصير، وهى أنْ يوضع اسمه على كتاب، لأنه بالطبع لن يقوم بإعداد كتاب واحد فقط لهذه الدار، بل ستستفيد منه دار النشر بأكثر من كتابٍ يحمل اسمه.
فما هى طريقة جذب الباحث؟!، أولاً: عقد بعدة كتب لا يتجاوز عدد صفحات الكتاب الواحد منهم عن 200 ورقة، ثانيًا: تُعطى دار النشر الباحث – الهدف – قائمة بأسماء الموضوعات وكل ما عليه فعله هو اختيار موضوعاته المُفضلة التى سيقوم بإعداد كتبه فيها – وغالبًا ما تكون هذه الموضوعات غير مُرتبطة بمصر، بل موضوعات تختص بأماكن توزيع هذه الكتب فى الخارج؛ لأنّ توزيع الكتب سيكون فى خارج مصر بالطبع – ثالثًا: تُعطيه الدار المراجع الخاصة بموضوعاته المُختارة فهو لن يتكلف عناء جمع المادة – اللهم إلا قليلاً – لكن مُعظم المادة موجودة فى المراجع التى ستَمده بها الدار، وكل ما عليه فعله هو تجميع المادة لعمل كتاب عليه اسمه فقط، وذلك هو المطلوب؛ حتى يتم التوزيع خارج مصر.
كل هذه الإغراءات تجعل من رفض الباحث الذى يبدأ مشواره العلمي، أمر غير مقبول على الإطلاق، وعندما ينتهى من كتبه، تكون الدار قد حققت ما سعت إليه ويكون الكتاب جاهزًا لبيعه؛ دون النظر إلى القيمة العلمية التى يحتويها الكتاب، فلا الموضوع من اختيار الباحث، ولا هو تَكلف مَشقة البحث عن مادته، الدار تعلم تمامًا ما حاجة السوق الخارجى للموضوعات المُهمة، والتى يَسهل معها توزيع الكتب وبيعها، كل هذه الأمور تجعل من هذه الكتب ليس لها قيمة علمية، فهى للتجارة وحسب، ولكنها للأسف تُحسب للباحث فى سيرته الذاتية أنه ألفّ كتبًا عدة، وبذلك ترتفع قيمته العلمية، خاصةً عندما يكون لهذه الكتب رواجًا خارجيًا، فيُصبح أيضًا ذائع الصيت، والعلم من كل ذلك بُراء، لكنها ظاهرة تَفشت، وباتت بالأمر العادى والطبيعي.
أنْ تكون طالب علم، يجب عليك وقتها عدم حساب ما تعلمته بمقياس المادة، فالعلم لا يُقاس أبدًا بالمال، أمّا عن سعى دور النشر لمثل هذا الأمر؛ لتحقيق الربح دون النظر لما يُقدم كمحتوى، فهى مسألة أخلاق وضمير أولاً وأخيرًا، ولا يمكن التحكم فيها بـ سن قوانين رادعة، فهى فى النهاية كتب تحوى مادة علمية فى التخصص المُراد الكتابة عنه، لكن طريقة عمل الكتاب هى المشكلة.
وأقول للطرفين، العلم لا يُباع ولا يُشترى، فهو فى هذه الحالة علمٌ لا يُنتفع به، ارتقوا يرحمكم الله، فالقاع ازدحم ولا يوجد موضع قدم فيه.