قالوا لنا أن عزة النفس هى ترك الشىء مع الحاجة إليه والترفع فى الأمور حتى وإن ضاع حقنا، واتباع الكبرياء وإن خسرنا الكثير.
ولكن فى زماننا هذا، لا يسعنا إلا أن نقول أن عزة النفس هى الامتناع التام والكامل والدائم عن طلب أى شىء من أى مخلوق، مهما صغر حجمه وتضاءل وزنه.
فلا تنل شيئا من أحد ولا تحصد شيئا ولا تجنى شيئا من أحد أبدا.
فإن استطعت أن تصل إلى هذه القمة فأنت الرابح، وستأتى ساعتها عزة النفس مع الإباء والأنفة والشموخ وكل ما تتمنى، أما غير ذلك فأهلا بالإمتهان والتذلل والخساسة والخضوع.
لماذا لا يحب أغلب الناس أن يطلب منهم شيئا قط ؟
سؤال عجيب، الرد عليه معلوم للجميع.
فحتى مع صغر الطلب وسهولته ولو لم يكلفهم شيئا، إلا أن فكرة أن يسألهم أحدا مسألة، تؤرقهم وتقلقهم وتدمر سلامهم الداخلى تدميرا.
أعرف سيدة عجوز من زمن كان فيه الانسان يساند أخيه الانسان، يقضى عنه حاجاته ويؤدى عنه بعض واجباته، ويقدر ويحترم سؤاله؛ كانت تردد دائما؛ (أنا هاكلم فلان، ده يتمنى يخدمنا).
كنت أحاول أن أوقظها على حقيقة أن لا أحد يتمنى خدمة أحد إلا من رحم ربى.
ولكنها عادة ما كانت ترى نظرتى غير صائبة وسوداء للأحداث، وأننى أتجنى على الملائكة من البشر، إلا أنها أقرت بعد ذلك وبتكرار المفاجآت المؤسفة، بحقيقة أن لا أحد يتمنى خدمة أحد، وان هذا واقع يصعب تغييره كما يصعب تقبله.
فالواقع يقول أن لا أحد يتمنى أن يقدم شيئا على الإطلاق، وأنت حفاظا على ماء وجهك وعزة نفسك، لا تنتظر أحد.
ومع مرور العمر والأحداث سترى أن الشعور بالشموخ والسمو فى ظل عزة النفس والاستغناء بالله، أقوى وأوجه من الإذعان والمسألة لـ( اللى يسوى واللى ميسواش).