هناك تساؤلات تطرح نفسها على الساحة الآن، خاصة بعد مرور أكثر من سبع سنوات على ثورة 25 يناير 2011، أين الأحزاب السياسية؟ هل اختفت؟ وما مدى الاختلاف فى برامجها قبل وبعد ثورة يناير؟ وهل غياب الحزب الوطنى الديمقراطى الذى كان مهيمناً على المشهد والبرلمان ومفاصل الدولة المصرية أثناء حكم الرئيس الأسبق مبارك، أثر على باقى الأحزاب السياسية من الظهور؟ وما حجم التغيير الذى لحق هذه الأحزاب بعد تغير المشهد السياسى بكامله والوعى والثقافة السياسية والنخبة ذاتها؟ وهل معنى زيادة عدد الأحزاب إبان الثورة يعنى زيادة الحراك السياسى والتعددية أم لا تزال الأحزاب تقف محلك سر فى ظل برامج وعهود قديمة لم تتطور ولم تستطع بها أن تصل للمواطن العادى وتقترب أكثر من الشارع المصرى؟ ما تقييم برامج الأحزاب السياسية منذ بداية التعددية أواخر السبعينيات فى عهد الرئيس السادات وحتى الآن؟
يرى محللو المشهد فى مصر أن الأحزاب السياسية بعيدة عن الشارع المصرى وغير مترابطة معه، وغير متفاعلة وليست جديرة بتصدر المشهد، وليست لديها رؤى جديدة واستراتيجيات تقنع بها القيادة السياسية من أجل حل المشكلات الاقتصادية التى تمر بها البلاد.
كما يبدو أن الأحزاب المصرية تعمل فى صمت لأعضائها فقط ولبعض مؤيديها فى الشارع المصرى، وتعتمد على اجتماعات شبه أسبوعية وشهرية، وتنظيم يغيب عنه التخطيط، وتنسيق بسيط فى حدوده الدنيا، وقيادات ليست صاحبة رؤية ورسالة واضحة، كما تتحرك الأحزاب على هامش ائتلاف "حب مصر"، الحائز على الأغلبية البرلمانية فى مجلس النواب؛ مما أدخل الأحزاب فى شبه "غيبوبة سياسية" أبعدتها عن الشارع المصرى. ففى الحقيقة أنه وعلى الرغم من زيادة عدد الأحزاب السياسية فى مصر خاصة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ووصولها لأكثر من 95 حزباً إلا أنها لم تستطع أن تنافس وتحصل على تأييد وشعبية سوى حزبين أو ثلاثة يجاهدوا فى الحصول على تعبئة شعبية فى محاولة لتغطية الفراغ الذى أحدثه غياب الحزب الوطنى عن المشهد السياسى.
ومن ناحية أخرى يضم مجلس النواب 596 مقعداً، حصلت الأحزاب على 241 مقعداً منها، وفيما حصل المستقلون على قرابة 350 مقعداً، حيث انضم أغلبيتهم لائتلاف "فى حب مصر"؛ فى محاولة متواضعة من الأحزاب لإثراء وعودة الحياة السياسية لكنها ليست بالقدر الكافى من الكفاءة والفعالية وحسن التخطيط؛ حتى تملأ الفراغ الذى تركه الحزب الوطنى الديمقراطى.
وبنظرة تحليلية فإن هناك عدداً من الأحزاب القليلة تصدرت المشهد خاصة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولم تقدم شخصيات بارزة للترشح فى الانتخابات الرئاسية 2018 سوى حزب الغد، وهذه الأحزاب هى: حزب المصريين الأحرار الذى حصل على 65 نائباً برلمانياً فى مجلس النواب، يليه فى الترتيب والقوة مستقبل وطن بـ50 عضواً، ويأتى حماة وطن فى المرتبة الثالثة بـ17 عضواً، والشعب الجمهورى بـ13 نائباً، وحزبى المؤتمر والنور قد حصلا كلاً منهما على 12 عضواً فى البرلمان. وبهذه النسب يمكننا القول أن هذه الأحزاب تحاول أن تكسب ود المصريين .
فمنذ أن وضع المصريون آمالاً وطموحات عظيمة على النخبة السياسية والثقافية لقيادة عملية التحول الديمقراطى بعد الغياب والفراغ الواضح فى الشارع السياسى المصرى، ووضع مصر وخريطتها على بداية الانطلاق وتحقيق المكانة التى تستحقها داخلياً وخارجياً، والعبور بها إلى الاستقرار والحرية والتنمية الاقتصادية، ولكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال فى الهواء بعد الفشل المتناهى الذى منيت به تلك النخبة ليس فقط فى قيادة العملية السياسية وإرساء قيم الديمقراطية، وإنما عدم القدرة على قيادة أحزابهم، التى تصدعت وتآكلت من الداخل بسبب الخلافات التى سيطرت على مشاهدها ؛ لإنها لم تجيد التعامل مع التهديدات التى واجهت المجتمع، ولم تستطع عمل تعبئة مناسبة للحصول على تأييد الشارع المصري، بحيث لم تعد تفهم تفكيره وتتعامل مع الشارع بقدر كبير من اللامبالاة، وكان خطابهم نخبوياً لا يفهمه المواطن العادى.
وبمرور الوقت بدأت تتضح حقائق هذه النخبة التى لم تقدم جديداً فى الحياة السياسية بالشكل المطلوب بعد حالة الفراغ التى عاشها المصريون، وأثبتت الأيام والسنوات أنها لم تكن لديها خبرة كبيرة بالعمل السياسى الحقيقى، ولم تكن على دراية بهموم هذا الشعب المستميت، ولم تعمل إلا من أجل مصالحها الشخصية فقط وتبحث دائماً وأبداً عن الشهرة وتولى المناصب القيادية، وكانوا السبب الفعلى لفشل الحياة السياسية خاصة فى الفترة بين ثورتى يناير ويونيو، التى حاولت النخبة ورجال الأعمال أن تسيطر عليها تحت الغطاء الحزبى.