إن أول ما يلفت النظر فى معارض الكتاب فى الآونة الأخيرة هو ذلك التواجد الهائل والملحوظ للأزهر الشريف، الذى أُعده - ويُعده غيرى - تواجداً غير مسبوق على مر تاريخ معارض الكتاب فى مصر، وليس هذا بمستغربٍ على مؤسسة تواكب العصر، وتسعى للتجديد والحداثة بكل ما تملك من أدوات.. إن إدراك الأزهر لأهمية مشاركته فى هذا الحراك الثقافى الكبير والملتقى الفكرى الهائل، والعُرس العلمى الأبرز أمر حقاً عظيم، فلم يخش من عرض مؤلفاته فى شتى العلوم وبمختلف أفرعها على الملأ لكل الدنيا ممن حضر من قلب قاهرة المعز وضواحيها، ومن جاء من أقصاها لأقصاها، أو حتى من خارجها ليطلع على كنوز أرض الحضارات فى ملتقى فكرى، ثقافى، هو الأكبر فى الشرق الأوسط بل والعالم العربى، ولم يخش أيضاً انتقاداً من كاتبٍ أو مفكرٍ وباحثٍ، أو منقدٍ لمجرد الانتقاد، علماً ويقينا منه بأنه الأزهر الذى نهل من علمه القاصى والدانى، وثماره أغدقت على أمة بأسرها شهد بها من يختلف معه فى المنهج قبل المتفق معه، وأن ما يقدمه دوماً لا يختلف عن التنوير والتطوير الذى يتشدق به أغلب المتثاقفين والمتعالمين.
إن هذا التواجد كان - ولا يزال- موجوداً، ربما اختلفت الطرق وتعددت الوسائل، لكن الهدف فى مجمله واحد، حتى لا يُقال بأنه أتى بعد حملات مستعرة لحقت به فى الفترات الأخيرة لمحاولة النيل منه، واتهامه بأن مناهجه مصدر للفكر المتطرف، هذه الاتهامات التى لا تعدو كونها غيرة من نجاح، وتشويش على ماكينة أسمعت بصداها من به صمم.. لقد خرج الأزهر عن صمته، خروجاً يليق بمكانته، وراح ينشر كتبه وفكره فى كل محفلٍ، ليس إظهاراً لبراءة من تهمة، ولا إخفاء لتقصير مُقصرٍ، لأنه ليس فى موضع اتهام، أو يشوبه تقصير، وإنما كان خروج الصادح فى وقت الصمت، والواضح أمام متخفٍ، والمُحصِّن عند انتشار الأوبئة، ليستظل شبابنا بمنهجه الوسط، وفكره القويم، ورسالته التى يبلغها عن رب السماء، كما عهده الجميع على مر العصور..
يُثبت أزهرنا كل يوم أنه منبر إشعاع ثقافى لا يُضاهيه منبر، حيث لم يكتفِ الأزهر بمجرد المشاركة، بل كان التنوع هو السمة الأساسية لهذا التواجد الهائل فى معارض الكتاب، سواء فى معرض القاهرة الدولى للكتاب أو معرض مكتبة الإسكندرية، حيث تنوعت أركانه بين الكتب الأزهرية التى تحمل بين طياتها المناهج التى تدرس لأبنائنا فى المعاهد الأزهرية، وبين بانوراما تشرح تاريخ الأزهر على مر الأزمنة، وبين كتب الأطفال، والأنشطة الثقافية، والأمسيات الشعرية، وفعلاً لم نرَ على مدار تاريخ المعارض السابقة جناحاً متكاملاً كجناح الأزهر الذى حرص القائمون عليه أن يكون على أعلى مستوى، تجد فيه الأسرة كل احتياجات أفرادها – صغيراً وكبيراً، رجلاً وامرأة- يعرض مؤلفاته، دون قيمة طباعتها، إذ لم يكن هذا لعدم وجود الإقبال عليها، وإنما حرصاً منه، أن يقتنى كتب الأزهر ويحتمى بها، شباب الأمة من أى فكر متطرف، أو منهج دخيل، ودعاة لم نسمع بهم وعنهم سوى فى جدال ما أوجد إلا فرقة وما أثمر إلا ابتلاءً.
أبعد كل هذا ألا يستحق بيت المسلمين الأول إشادتكم التى هو فى غنى عنها؟، ولم يكن يعمل يوماً لنيلها، أما زال الأزهر يتصف بالجمود بعد كل هذه الخطوات؟ وأى نوع من الجحود يتراءى فى نفس من يسعى لهدم الأزهر؟! لماذا نُكابر ولا نراجع أنفسنا، ونُحق الحق، ونتوقف عن العناد، الذى لا طائل منه سوى هدم مؤسسات الدولة التى يُعد الأزهر واحداً منها؟! إن كنتم تدَّعون وطنيةً فلا وجود لها إن لم تؤمنوا بوجود الأزهر على أرض مصر.