يقف الصبى ذى السنوات الثمانية من العمر، حائرا، تزيغ عيناه بكل اتجاه، مترددا بين إقبال وإحجام، حالة لم يمر بها من قبل، فقد عُرف عنه العناد والتشبث بالرأى، فلا تستقيم الأمور حوله حتى يحقق دوما مراده.
لكنه اليوم بالتحديد أصابته حيرة شديدة، خرج كعادته ما بين العصر والمغرب، للهو مع زمرة من أصحابه، ألعاب يعرفها، يجيدها بمهارة شديدة، الأمر اختلف، فقد اعتراه تردداً شديداً، أى لعبة يبدأ بها ؟
أى فريق ينضم إليه ؟
ثم.. أى نتيجة يسعى وراءها ؟!
ناداه أصحابه من بعيد: أقبل، مالك تجمّدت مكانك كتمثال ؟!
قذفه أحدهم بحصاة أصابت كتفه، فأطاحت بثباته الجسدى، من عجب لم يشعر بألم، كما لم ينفعل ويغضب كعادته.!
دقائق وقد يأس الخلّان منه، فانصرفوا لأشغالهم، منقسمين فرق، منغمسين فى لهو وصخب أقلق القوارض فى باطن الأرض، بينما هناك، من بعيد، كان الفتى ذى الثمانية أعوام يترقّبهم بحيرة، تعجز قدماه عن التقدم، وتمنعه نفسه من التقهقر.