من لا يعرف لعبة "الحوت الأزرق"، التى ظهرت مؤخرًا على شبكة الإنترنت، التى تطلب من المشتركين عددًا من التحديات، تنتهى بالمشترك إما بالانتحار، أو بارتكاب جريمة ما، وما زاد من خطورة هذه اللعبة، انتحار بعض المشاركين فيها بالفعل، بدول المغرب والجزائر والسعودية، وأخيرًا فى مصر. وسبب تسميتها بالحوت الأزرق، أنه يُعرف عن الحيتان ظاهرة الانتحار، فهى تسبح جماعات أو فرادى إلى الشاطئ، وتعلق هناك وتموت إذا لم يحاول أحدهم إرجاعها مُجددًا إلى المياه.
وبدون الدخول فى تفاصيل اللعبة، فهى تهدف إلى وضع الإنسان فى محاولة لإيذاء نفسه، ووضعها فى موقف لا يمكن التراجع عنه، وبغض النظر عن مدى خطورة هذه اللعبة، التى تحدَّث عنها الكثيرون، والتى كان لها فلسفتها عند مُبتكريها من الروس. فأنا الآن لا أبحث فى كل هذا، ولكنى أُناقشها من جانب آخر تمامًا، وهو، أليس بداخل كل منا "حوت أزرق"، فتخيل معى يا سيدى القارئ، كم مرة وضعت نفسك فى موقف لا يُحمد عقباه، واكتشفت أنك لا يمكنك التراجع عنه، وكم مرة حاولت إيذاء نفسك بقصد أو بدون قصد، وكم مرة وصلت إلى الحافة، ولولا تدخل القدر، وهو العناية الإلهية، لكنت من المُنتحرين سواء جسديًا أو معنويًا.
فللأسف، هذه اللعبة نحن نلعبها منذ بدء الخليقة، والغريب أننا لا نلعبها فقط مع أنفسنا، بل أحيانًا نلعبها مع الآخرين، فهى فى الأول والآخر، تهدف إلى السيطرة الكاملة على أنفسنا، أو على أحد الأشخاص؛ بُغْية تحريكهم، وفقًا لمخططات مرسومة من صاحب اللعبة، ولو تفكرنا قليلاً، سنجد أننا قد نسمح لفكرة ما أن تُسيطر علينا كلية، حتى تدفعنا إلى الإتيان بتصرفات، أبعد ما تكون عن مخيلتنا، وأحيانًا أخرى، نستغل بعض نقاط الضعف فى الآخرين؛ لكى نضعهم فى موقف التابعين لإرادتنا.
وفى النهاية، أقول للعالم بأكمله، لماذا أنتم مُندهشون من هذه اللعبة وتخشونها، إلى درجة الرعب، ونحن نلعبها كل يوم، بل كل لحظة ؟! ولكننى سوف أُجيبكم على تساؤلى : لأن هذه اللعبة دائمًا ما تنتهى بالموت المادى، وللأسف، الإنسان دائمًا لا يُحرك سكونـه سوى الماديات، ولكنها لو كانت تنتهى بالمـوت المعنوى، الذى نصل إليه يوميًا، ما كـان أحـد أعار الانتبـاه إليها، وتذكروا دائمًا أننـا جميعًا بداخلنـا "حوت أزرق".