لأن المنتصر سوف يدفع تكاليف إعادة الإعمار، ولأن الواقع على الأرض يذكرنا بنهاية الحرب العالمية الثانية عندما تم تقسيم برلين حيث تواجدت على الأرض ساعتها جيوش من أربع دول.
ونحن الآن نرى على الأرض فى سوريا جيوشاً تمثل ست دول وهى: أمريكا وروسيا وتركيا وايران وفرنسا وإسرائيل ؛ وقبل ذلك ، تواجدت جيوش التحالف المكونة من ستين دولة للقضاء على تنظيم داعش .
لقد تعرض للقتل مئات الآلاف وتم تهجير ملايين أخرى ووصل حجم الدمار الذى لحق بالبلاد إلى أبعادٍ مأساوية فى منطقتنا العربية. ونحن نتساءل بكل حسن النية عن سبب وجود كل هذه الجيوش على الأرض السورية؟ هل حقاً كانت تسعى للقضاء على الأسلحة الكيماوية لأنها محرمة دوليا؟ وإذا كان الامر كذلك فهل الذين ماتوا من جراء الأسلحة التقليدية يقلون أهمية عن الآخرين الذين ماتوا بالأسلحة الكيماوية؟ هل هناك بشر أغلى من بشر؟ أو أناس أهم من أناس آخرين ؟ أم أن الهدف العام هو تدمير الجيش السورى؟ أم أن هناك طموحات واطماع فى الغاز والنفط فى شرق البحر الأبيض المتوسط وليس الهدف المُعلَن وهو الحفاظ على أمن الدولة السورية؟
من الملفت للنظر تصاعد حدة المواجهة بين دول إقليمية ودول كبرى ، لكن المعارك تدور رحاها على الاراضى السورية ! فقبل عدة أيام من الضربة الامريكية – البريطانية - الفرنسية التى تمت فجر السبت الماضى ، كانت هناك حرباً للغواصات قد جرت فى المياه الإقليمية السورية بين البحرية الروسية والبحرية البريطانية. فقد توجهت غواصة نووية بريطانية إلى المياه الإقليمية السورية ، وكانت فى مأمن من أعين الروس من خلال دعم سلاح الجو الامريكى ومع ذلك فقد وصلت بصعوبة ولم تتمكن من المشاركة فى الضربة الأخيرة لأنها كانت تحت مراقبة غواصة روسية اسمها ( الثقب الأسود) ليس لها أى صوت يصدر عن محركاتها.
وذهبت الغواصة الروسية للبحث عن الغواصة البريطانية فى وجود عدد (2) فرقاطة روسية وطائرة روسية مضادة للغواصات . وكانت هناك عدة سيناريوهات متوقعة ، منها أن يتم ضرب الغواصة البريطانية ( وثمنها أكثر من مليار جنيه إسترلينى) أو أسرها واقتيادها إلى روسيا حيث أنها كانت تحمل (20) صاروخ من نوع "توماهوك". والسؤال: ماذا لو كان قد تم إغراقها؟ إذاً سيكون ذلك ماهو إلا الإنجراف نحو الهاوية! كنا سنرى الروس يقتربون من الشواطئ البريطانية، وبالتالى البريطانيون يقتربون من الشواطئ الروسية! فهل يكون ذلك كما نقول أن التاريخ يعيد نفسه؟!
بالتأكيد، لا أحد يتمنى ذلك ولكن يظل السؤال دائراً حائراً: مالذى أصاب العالم؟ هل نحن نتقدم للامام من أجل راحة ورفاهية البشرية.. أم نتراجع إلى الخلف بحثاً ولهثاً خلف تطوير أساليب مستحدثة للدمار والتخريب؟
إن تكاليف الحرب قد صارت باهظة إنسانياً ومادياً. فالذى فعله الغرب فى العراق وأفغانستان وسوريا - ومن قبل فى فيتنام واليابان وكوريا - يجب أن يعيد إلى الأذهان أهمية أن يكون هناك دوراً مؤثراً وفعالاً للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وعلى صعيد المجتمع المدني، تجمعت مؤخرا تظاهرة فى أحد أهم الميادين بمدينة نيويورك ضمت عدداً كبيراً من المواطنين الذين أعلنوا رفضهم للحرب التى تقوم بها أو تشترك فيها أمريكا على الصعيد العالمي. وكانت الهتافات واللافتات المرفوعة تؤكد أن "دافعو" الضرائب" لايرتضون إهدار أموالهم فى هذا الخراب ويودون ان يتم توجيهها إلى التعليم والصحة والبنية التحتية بدلاً من تدمير البشرية فى حروب لا جدوى منها.