جاء فى كتاب الخيميائى للكاتب باولو كويلو قصة تستحق التوقف طويلاً؛ وفيها أن تلميذاً سأل شيخه وهو يحتضر عن أفضل معلم له، فقال الشيخ إنهم مئات المعلمين، وذكرى لهم سيستغرق شهوراً طويلة، فسأله التلميذ عمن ترك فيه أثراً باقياً. فكّر الشيخ طويلاً ثم قال: كان من هؤلاء ثلاثة، تعلمت منهم كثيراً؛ أولهم كان لصاً! ففى يوم من الأيام كنت على سفر، وتهت فى الصحراء، ووصلت بيتى فى ساعة متأخرة من الليل، وإذا بى وقد فقدت مفتاح الباب، فصادفت رجلاً طلبت منه المساعدة، ففتح لى الباب فى لمح البصر، فأثار الرجل إعجابى وطلبت إليه أن يخبرنى بما فعله، وفاجأنى أنه لص يعتاش من سرقة الناس، فدعوت الرجل لبيتى ليكون ضيفى لأيام، وكان الرجل يخرج كل ليلة يسعى لرزقه، وأنا أمكث الليل أمارس تأملى المعتاد، وكلما عاد الرجل سألته عما اغتنمه فى ليلته، وفى كل ليلة يقول الرجل الجملة نفسها: "لم أوفق فى اغتنام شىء هذا المساء، ولكننى إذا شاء الله سأعاود المحاولة غداً".
أما المعلم الثانى فقد كان كلباً! ففى يوم من الأيام كنت أشرب من أحد الأنهار، ووجدت كلباً أجهده العطش، وعندما اقترب من النهر شاهد فيه كلباً، وهو لا يدرى أنه انعكاس لصورته فى الماء، فدب فيه الفزع، وتراجع للوراء وهو ينبح، وكلما اقترب ورأى الكلب عاود الفرار والنباح، وفى النهاية جمع الكلب شجاعته وقفز فى النهر، وإذا بصورة الكلب وقد اختفت.
أما المعلم الثالث فقد كان طفلاً يحمل شمعة بيده، وقد رأيته يوماً فى إحدى جولاتى، فبادرته سائلاً: هل أضأت هذه الشمعة بنفسك؟ فرد الصبى بالإيجاب. فتابعته بإلحاح، وقلت له: إنى أرى الشمعة وقد انطفأت ثم اشتعلت مرة أخرى، فمن أين أتيت بالنار التى تشعلها، فضحك الصبى وأطفأ الشمعة ثم بادرنى سائلاً: يا سيدى، أتستطيع الآن أن تخبرنى إلى أين ذهبت النار التى كانت مشتعلة هنا؟
ثلاثة معلمين تركوا أثراً فى الشيخ المعلم؛ ولم يجد المعلم فى نفسه حرجاً أن يتعلم من لص، وقد اكتسب منه القوة على المتابعة وعدم اليأس، ولم يستح أن يأخذ درساً من كلب؛ وقد تعلم منه مواجهة مخاوفه، والتى قد لا يكون لها وجود إلا فى مُخيّلته، ولم يكابر فى أن يتعلم من طفل، وقد أدرك أن الإنسان يحمل فى قلبه شمعة الحكمة التى لا يعرف متى تشتعل. لقد كان الشيخ المعلم تلميذ الحياة، وقد استقى منها المعرفة والحكمة وتعلم من أكثر الأشياء بساطة وأبعدها توقعاً.