الناس في مسار حياتهم بين طريقين . إما أنهم يسيرون على خطط مرسومة مسبقا يريدون بها الوصول إلى هدف محدد ، وإما أنهم كما نقول بالعامية "على التساهيل" ، أي يعيشون يوم بيوم دون هدف واضح . سواء كنت من النوع الأول أو الثاني ، فأنت ستواجه في مسار حياتك اليومية الحاجة لإتخاذ قرارات معينة ، أو تواجه مواقف مفاجئة يكون لك رد فعل عليها ، ويصدر عنك تصرفات سواء إيجابية أو سلبية بما تمليه عليك الظروف المحيطة والمواقف التي تجد نفسك بها.
"أثر الفراشة" هو شيء بسيط جدا يحدث دون توقع يتسبب في تأخير نتيجة منتظرة ، أو يفسد خطة ما ، أو يضيع جهد مبذول ، كثير منا يتملكه الغضب أو الحزن على ماحدث . قلة من الناس تفكر بأن ذاك الشيء البسيط الذي حدث لربما كان جرس تنبيه نحو شيء أفضل أو أن الشيء الذي كنت تهدف إليه ليس بالضرورة الأنسب لك والأسلم .
مثلا ، شخص يتهيأ للخروج للسفر بالقطار أو الطائرة لموعد مقابلة لوظيفة أو مع شخص يريد أن يكون بينهما عمل فيجد أن سيارته معطلة ، يبحث عن سيارة أجرة فلا يجدها بسهولة ، يصل للمطار متأخرا أو يكتشف أنه نسي جواز سفره أو أوراقا لاغنى عنها ، تضيع الفرصة ويغضب ويحزن ويلعن حظه التعس. قليلون يتنبهون أن التغيير الذي حدث في مسار خططهم قد يكون في الحقيقة منبه لخطر غفلوا عنه ، ويؤمنون بأن " أثر الفراشة " البسيط الذي حدث وتسبب في إغلاق الباب في وجههم ، ربما يدلهم على باب آخر أفضل منه ، لم ينتبهوا له سابقا .
تحضرني قصة ذلك المدرس المغترب سنين طويلة في بلدة نائية في جنوب دولة عربية وفوجيء ذات يوم بعدم رغبة وزارة التعليم بتجديد عقده وعليه المغادرة نهائيا في نهاية العام الدراسي . اسودت الدنيا في وجهه وهو لم يجمع من المال إلا ما يكفيه لفترة ليست طويلة وهو بدون عمل ، ظانا أن ضياع الوظيفة في الغربة يعني نهاية العالم بالنسبة له . عاد إلى بلاده لا يدري ما يفعل ثم ألهمته فكرة أن يدخل مجال بناء العقار وبيعه بالمبلغ المحدود الذي جمعه في بلد الغربة . خلال أقل من عشر سنوات أصبح الرجل من كبار تجار العقارات وإسمه أشهر من نار على علم.
لا تحزنوا أبدا على الأشياء البسيطة التي منعتكم من تحقيق هدفكم ...هل سمعتم من يقول مثل هذه المقولات :
• لو كانت سرعته أبطأ ببضعة كيلومترات لما وقع الحادث ..
• لو لم أقل تلك الكلمة لما انفجرت في وجهي كبركان غاضب ..
• لو أني تأنيت قليلا قبل الزواج منه لاكتشفت خصاله السيئة وما تزوجته ..
كلنا سمعنا مثل هذه المقولات وربما الكثير منها ... وكل منها حدث بسبب "أثر الفراشة" .. بضعة كيلومترات أقل كانت ستمنع حادث ، كلمة في غير وقتها سببت إنفجار ، بضعة أسابيع انتظار كانت ستوفر سنين طويلة من المعاناة في زواج فاشل.
تأنوا ،تمهلوا وإبحثوا عن "أثر الفراشة" في كل أمور حياتكم ومجرياتها وما يظهر أمامكم . أثر الفراشة موجود دائما ، وكل ماتحتاجونه هو قليل من الإنتباه.