أحياناً ننظر للحياة نظرة تفائلية مملوءة بالورود المبهجة والألوان المشرقة، ومعها فيحات الربيع ونستنشق عبير البهجة والفرح . نظن أن الفرحة لن تتخلى عنا . نرفع أرجلنا لنتسابق مع الريح في الطيران ، نركل كل لحظه سيئة أو ذكرى فشل يائسة يمكن أن تستحضرنا .
لكن تحتم علينا الحياة في لحظات أن نعيش لقطات صعبة مأخوذة بمنظور مختلف إلى حد ما ؛ فعندما يسري الوحش في كيانك تجد وكأن شيء أصاب بصرك وأهتزت رؤيتك وأختلفت . تضيق عيناك ، تختنق رؤيتك ، يكسو الظلام جوانب المشهد ، تختفي الألوان ، يختفي بصيص الشمس الذي كان يتصدر الكادر.
انت الأن ترتدي نظارة سوداءعجيبة تحول رؤيتك لكل الأمور بطريقة سريعة ، لن تعود تنظر الأشياء برونقها بل يتصدر الأبيض والأسود البطولة الثنائية لاغيين أي دور أخر لأي لون يمكن أن يسطع في اللوحة . تهرب كل الرغبات والطموحات وتختبىء في غياهب الضباب . تنسحب منك كل لذة وكل تذوق يمكن أن تشعر به .
تتساءل كثيرا عن سر فرحة الأخرين ؟ تتعجب لصمود الأخرين واستمرار تحملهم لأعباء الحياة رغم كل ما يتكابدونه ! هل الحياة تستحق كل ذلك التحمل ؟!
تلك النظارة هي نظارة المرض ،المرض سواء كان بسيطاً عابراً أو قوياً كاسراً . المرض الذي يؤثر على كل كيانك وحياتك وعلاقاتك ، يلغي كل خططك ، فتقف امامه عاجزاً لا تملك قوى أن تحدد أو تقرر أي شيء مهما كان مهم أو مصيري .
المرض الذي يهوي امامه الكل بدون تفرقة ان كان عبد فقير أو سيد عظيم له سلطة ونفوذ .نعم هو المرض الذي يجبر الملوك على التمدد قهرا على الاسرة ، الذي يشل حركةأعتى الأقوياء والجبابرة .
لا شخصية ولا قوة ولا جمال يمكن أن يهزم المرض . لا يمكن أن تطيعه حسب خططك ووجباتك ومسؤلياتك بل أنت من يجب أن تنحت حياتك على حسب مستلزماته .
لكن لا تسمح لنظارتك السوداء أن تستحوذ كل بصرك ، دع بصيرتك تنفذ إلى ما وراء المشهد . دعها تستخلص عبق الحكمة في تلك اللحظات القاسية ! دع محبة الأقرباء والأوفياء تغمرك وأسمح لهم أن يقبع حبهم في قلبك . المرض يلقنك أعظم الدروس وهي أن تنظر لعمق الأمور ولا تنخدع بالقشور التي كانت تلهيك في الماضي .فجاة تجد نفسك تخلع عباءة السطحية عنك بكل ثقة .
لا غني عن أن تدرك أهم درس يمكن أن تتعمله هو أن الحياة كالبحر وأنت كالمركب ، وفي لحظات يمكن أن تنعم بالهدوء والأنسجام وفي لحظة يمكن ان ينقلب عليك كل شئ .
لا تطمئن أو ترتمي بكل جوارحك وتثق بكل قلبك في أمواج الحياة المتقلبة سواء مال أو جمال أو منصب أو شهرة . لا تستند على الماء وتظن أنه سيحملك أو يتحملك !