تعلمنا قديماً أن العقل السليم فى الجسم السليم، وأن الرياضة هى غذاء الروح، وتعلمنا أيضاً أن العمل عبادة، وأشار الرسول الكريم بتعليم أولادنا السباحة والرماية وركوب الخيل، والتساؤل الرئيس لماذا خرجنا من المونديال بهذه السرعة الفائقة؟ ما الذى حدث؟ لماذا خرجنا كأول دولة من ماراثون كأس العالم؟ لماذا لم يرتق آداء لاعبينا؟ ما سبب خيبة الأمل لدى المصريين عند الخروج السريع للمنتخب المصرى؟ فأياً كان السبب، أرى أن السبب الأساسى هو عدم وجود إدارة فعالة لفريق المنتخب القومي، مع قلة التدريب وعدم الاستعداد الجيد والسليم حتى نخوض تجربة ككأس العالم لكرة القدم، فكيف خرجنا ونحن ننتظر هذه اللحظات منذ أكثر من 28 عاماً؟ ما الداعى وراء الخسارة والتعادل فى الثلاث مباريات التى قامت مصر بلعبها؟
فالإرادة تقهر المستحيل، والإدارة الجيدة تصنع المعجزات فى وقت قياسى ، ليست القضية بقضية كأس العالم بقدر ما هى سوء إدارة قضى على الأخضر واليابس وعلى أحلامنا الكروية، فتبنى المدير الفنى لأسلوب إدارى غير دقيق وغير مخطط له بطريقة محددة أخرجنا من المنافسة الدولية لكرة القدم، كأول فريق يخرج من هذا العُرس العالمى الذى تتجه إليه أنظار العالم كل أربعة أعوام منذ عام 1930. وشاهده المصريون بكل شغف وحب على أمل أن يسعدوا بفريقهم الذى تأهل للوصول إلى موسكو.
فالفرق العالمية التى خاضت البطولة سنوات وسنوات لها أياديها وطريقتها فى التدريب والمنافسة أيضاً، فالجميع يعلم قوة منتخبات البرازيل وإيطاليا وألمانيا وأورجواى والأرجنتين ثم انجلترا وفرنسا وأسبانيا فى الحصول على لقب بطولة كأس العالم وانتزاع الماراثون لصالحها، والتساؤل الآن كيف حصدت هذه الفرق البطولات المختلفة للمونديال؟ الإجابة عن طريق الإدارة الفعالة والتواصل الجيد بين المدير الفنى واللاعبين مع التنسيق المستمر بين الفريق وإدارته، مع المتابعة المستمرة للأداء، مع التنظيم الواعى لكل لاعب، فضلاً عن التحفيز المادى والمعنوى من خلال المكافآت والشهرة، مع دراسة العوامل السلوكية لكل لاعب جيداً حتى يستطيع أن يعطى ما لديه من طاقات ليقتنص الكأس.
لم تقدم الدول التى حصلت فى السابق على بطولة كأس العالم اختراعاً جديداً ، وإنما استثمرت جيداً العنصر البشرى الذى رفع راية وعلم هذه الدول خفاقاً فى السماء، يا سادة إن الاستثمار الحقيقى لرأس المال البشرى هو الاستثمار الأمثل والفعال؛ لتحقيق الأهداف بكل كفاءة وفعالية، وما اليابان والصين ببعيدين عن هذا الاستثمار، الذى ساعد هذه الدول من النهوض والقيام بعد سلسلة حروب مدوية قضت على نهضتها فى السابق، وها هى اليوم تقود الأمم من خلال منتجاتها التى اخترقت حتى السوق الأمريكي، فالعنصر البشرى الذى استطاع أن يصل إلى سطح القمر لا يعجزه أن يفوز فى مباراة كرة قدم، والعنصر البشرى الذى يجرى عملية جراحية بالغة الخطورة لا يقف أمامه الحصول على كأس العالم ، والعنصر البشرى الذى اخترع الطائرات لا يهدده مهاجم قادم إليه ليحرز هدف داخل مرماه.
فقبل الألف عام، وتحديداً فى عام 1000، كانت القارة البيضاء أشد فقراً من دول مثل الصين والهند. ولكن بعد تسعة قرون، تغيّر الأمر تماماً وأصبحت أوروبا أكثر ثراء وقوة أضعاف كل من الصين والهند. فلقد تأسس فى عام 1660«نادى العلماء» بلندن ، وكانت مهمته الأولى تبادل العلوم والمعارف المختلفة فى بريطانيا ؛ ولتحقيق هذا الهدف أصدر هذا النادى مجلة لنشر الأفكار العلمية الحديثة وترويجها جيداً؛ مما أدى إلى لخروج النظريات العلمية لتعميمها بين الناس لتصبح جزءاً من الثقافة لدى الشعب البريطانى ، ومن ثم قاد هذا الشعب لمزيداً من التقدم والرقى ، وأصبحت لندن كما نرى من أكبر وأعظم العواصم الدولية. فلكى نتقدم ونتطور لابد من العمل على تنمية مهارة العاملين فى كافة مؤسساتنا فإتحاد كرة القدم ما هو إلا مؤسسة تحتاج لتطوير وتدريب، وأيضاً الفريق القومى نفسه يحتاج لإعادة هيكلة، وحتى الرياضات الأخرى تحتاج للهندرة حتى يتم تحقيق النتائج التى ترضى المجتمع. فمتى ندرب موظفينا؟ ومتى نراقب عمالنا؟ ومتى نحدد بالفعل أين المشكلة؟ ومتى نستثمر فى العنصر البشرى الذى لا شك أنه هو المنقذ الوحيد لجميع مشكلاتنا الماضية والمستقبلية؟ ومتى يصل إلينا خدمات متطورة؟