ربما وجب علينا أن نذكر ترامب، أن أمريكا ارتدت يوماً قناعاً فلسطينياً، وأن هناك من النشطاء والكتاب ليسو فقط مؤيدين الحق الفلسطينى فى الأرض، بل أيضاً دفعوا حياتهم ثمناً لإيمانهم بالإنسانية، لم توقفهم المواقف الدولية المتخاذلة والقوانين الكاذبة ، لأن دافعهم كان أكبر من كل هذا ، دافعهم كان الإيمان بالإنسانية وربما لو كانوا متخاذلين كغيرهم، لما انتهت حياتهم بهذا الشكل.
راشيل كورى: أن تكون فى الثالثة والعشرين ما الذى سيشغل بالك أكثر من فرص عمل، زواج، سكن أو هجرة إلى الخارج «وستعتبر نفسك محظوظاً جداً لو كانت البلد التى ستهاجر إليها هى أمريكا»، لكننا اليوم أمام مثال مختلف، أحدهم كان فى الثالثة والعشرين بالفعل ليس أكبر من ذلك، لكن كان له هم وقضية أكبر بكثير من مجرد مصلحة شخصية أو طموحات اجتماعية ، أحدهم حمل هم شعب ، أطفال، شيوخ، نساء، ورجال، ليس بينهم رابط عرقى أو دينى ، فقط إيمان بالإنسانية، بحق كل إنسان فى أن يحيا حياة كيرمة ، حياة ينعم فيها بحريته ، اعتذار للصورة التى رُسمت لأمريكا ، أنها ذلك الوحش الكاسر الذى يدافع عن قيام دولة إسرائيل على حساب دماء الفلسطينيين ومنازلهم وأرضهم وحقهم فى الحياة، لأمريكا وجه آخر أجمل بكثير.. تبينت تفاصيل ملامحه الإنسانية فى راشيل كورى.
أن تترك وطنها - أمريكا - التى تنعم فيها بكل الحقوق وكل مستويات الرفاهية، لتختار أن ترحل إلى أرض - ربما لا يعرف أهلها الحياة بعيدا عن القذف والصواريخ والقنابل - ولترحل روحها عن هذا العالم على هذه الأرض المقدسة.
راشيل ولدت فى أمريكا فى أوليمبيا بواشنطن، تخرجت من مدرسة ثانوية بها، ودرست عددا من المواد الأدبية فى كلية Evergreen State College توقفت عن الدراسة لمدة عام لتعمل فى أعمال تطوعية فى واشنطن وكانت راشيل تقوم بزيارات أسبوعية للمرضى المصابين بأمراض عقلية، أثناء دراستها الجامعية أصحبت كورى ناشطة باسم السلام وللسلام، تنظم وتقيم أنشطة تدعو للسلام من خلال مجموعة محلية تسمى «سكان أوليمبيا للتضامن والسلام» ولاحقاً التحقت بحركة مماثلة ولكن على نطاق أوسط «حركة التضامن الدولية»، وهذه الحركة لم توافق أبداً على السياسات الإسرائيلية المتبعة فى قطاع غزة، معها ناشطون من حركة التضامن الدولية وأنشأوا مشروع «مؤاخاة بين المدن» أى أخوية بين مدينة رفح الفلسطينية وأوليمبيا الأمريكية وذلك لتربط بين أطفال المدينتين، هناك فى رفح فى هذه الأثناء كانت إسرائيل المحتلة تقوم بهدم منازل الفلسطينيين لتبنى المستوطنات الإسرائيلية ، وعملية الهدم هذه كانت بإدعاء أن هناك أنفاق تصل بين المنازل فى رفح وبين الحدود المصرية، حاولت كورى وثمانية من النشطاء غير الفلسطينيين أن يمنعوا هذا الهدم، بأن أنشأوا درعاً بشرياً من ثمانيتهم، فى الليلة الأولى من إقامتها، كانت فى معسكر يسمى «Block » والذى وصفه زملاؤها بأنه مكتظ بالسكان وهدف لإطلاق النار من برج المراقبة الإسرائيلى، حاول النشطاء وكورى معهم أن يكونوا درعا رافعين لافتات طبع عليها «نشطاء دوليين» فقط ليمنعوا إطلاق النار على السكان الفلسطينيين، لكن هذا لم يمنع إطلاق النار واضطرت رايتشل والنشطاء إلى ترك المنطقة وأصيب أحد النشطاء وهو من أصل بريطانى، فى السادس عشر من مارس 2003، حاولت رايتشل الوقوف فى طريق بلدوزر لتمنع هدم أحد المنازل التى تعرفت إلى أهلها الفلسطينيين مسبقاً وظلت تستخدم مبكر الصوت لتوقف السائق تخبره أنها أمريكية ناشطة تسعى للسلام ليس إلا لكن، يبدو أن إسرائيل لا تعبأ أكان من تقتل فلسطينياً أم أمريكياً، تجاهلها سائق البلدوزر ليدهسها حرفياً، ولتلفظ أنفاسها الأخيرة بعد دقائق فى أحد مستشفيات رفح، انتهت حياتها لكن لم ينته ذكرها ، فرسائل البريد الإلكترونى التى كانت ترسلها لوالدتها نشر أربعة منها فى المجلة البريطانية الشهيرة «the Guardian»، وقرأت الكاتبة الشهيرة المؤثرة مايا أنجلو أحد رسائل راشيل كورى، ونشرت دار نشر فى مدينة نيويورك كتاب عنها واسمته «دعونى أقف وحدى» والذى تضمن رسائل البريد الإلكترونى، وكذلك أعمال فنية وأعمال أخرى أدبية ذكرت قصتها، ومن الجدير بالذكر أن أحد الفيديوهات المسجلة باسم رايتشل حينما كانت بالعاشرة من عمرها قالت فيه: «أنا هنا من أجل الأطفال، أنا هنا لأنى أهتم، أنا هنا لأن الأطفال فى كل مكان يعانون، وأربعة ألف إنسان يموت يومياً بسبب الجوع، يجب أن نفهم أن الأشخاص فى دول العالم الثالث يفكرون ويشعرون ويبتسمون ويضحكون تماماِ مثلنا ولهم أحلاماً كأحلامنا».
راشيل كورى آمنت بالإنسانية عاشت لأجلها وماتت لأجلها