كثيرا ما تحدَّثت عنها خلال جلساتى التدريبية فى الآونة الأخيرة ولكنى بين هذه السطور لن استعين بدليل تدريبى أو كلام منمق منطقى جميل إنما سأفسح المجال لعبارات قلبية واسعة الخطى ، ومشاعر تتسابق تجاه وجنتى أيها ستدركها أولا ، ابتسامات مُقمرة، ونظرات عابسه، فوضى عارمة بالطبع لأن الحديث سيتناول "المساحات الآمنة بينك وبينك"
دعنى فى المقدمة أن أطرح عليك سؤالا: هل حقا تعرف كل شئ عن نفسك؟ هل تطمئن بمواجهتها بكل ذلَّاتها وسقطاتها؟ هل تُؤمن بأنها قد تكون قريبة فى المسافة منك بعيدة أشد البعد عنك؟ دعنى اذا اسرد حديثى فى محطات سريعة.
التقبُّل
تغدو وتروح يوميا فى أرجاء الحياة ناظرا إلى هذا وذاك فارضا عقلك ومنطقك على سائر الناس تتقبَّل بعضهم والبعض الآخر تُصدر أحكاما هوجاء عليهم، لا بأس إذا ولكن هل تفعل ذلك مع نفسك؟ هل تقبلها كما هي؟ هل تصالحت يوما مع مظهرك، تفكيرك، أشد تفاصيل وجهك التى احيانا ما تزعجك ، صوتك الذى قد يكون مزعجا بالنسبة لك، طريقة حديثك مع غيرك؟ هل فكرت يوما حينما تنظر لنفسك فى المرآة كل صباح أن تبتسم لها، أن تداعبها، أن تتحدَّث معها؟
دعنى اخبرك بأنك لست وحدك ، وإياك أن تعتبر نفسك شخصا واحدا، أنت متقلِّب بُنى ساعة فى حالة رضا وساعة فى حالة سخط، أشخاص سيئة وأخرى تريد الخير.
فهل تقبل نفسك بكل حالاتها وذلاتها؟ وبكل الطُهر والسوء الساكن فيها؟ وبكل الجمال والقبح المسيطر عليها؟ هل لك أن تفعل ذلك؟
الاكتفاء والاستغناء
نعيش فى هذه الحياة جماعات وأفراد تتعارف وتتعامل يوميا فى شتى أمور الدنيا، ولكن هل تعاملت بينك وبينك؟ هل تأمن على نفسك من نفسك حينما تكون وحيدا؟ أم تخشى أن تفترسك بشراسة أفكارها ومواجهتها لك ؟
"الاكتفاء بالنفس" لفظ كثيرا من يردده قليلا من حقا يتمتع به، أن تستأنس بنفسك وتحادثها، وتشكيك لها وتشكيها لك، تعاتبها وتعاتبك، تضحك معها وتُفرحك، تتسابقا تجاه الدموع، تجبر كسرها وتقول لك جُبرت، تجبر كسرك وترد القول يكفينى أنتِ، أن تتجلى عظمتها أمام ناظريك وتستغنى بها عمن سواها، حينما تكون هى الملاذ والمأوى من لغط الحياة، حينما لا تعرف المجاملة طريق بينكما، فتعنفك وتعنفها، ويقسو كلاكما على الاخر، أن يروض كلاكما كلاكما، وأخيراً أن تتلاقيا ومن حولكما صخب الشارع وحرارة الجو وثرثرة الناس ومرارة الدنيا وفى الاخير تتلاقيا حقا كأن ليس بينكما حجاب.
هل حاولت يوما أن تضمد جروح نفسك بنفسك لنفسك؟ هل حاولت يوما أن تحاسب نفسك بنفسك لنفسك؟ هل حاولت يوما أن تكتفى بنفسك لنفسك فحسب؟ هل حاولت؟
حوارى نفسية
كل فرد منا مدينة متكاملة الأركان يشكلها عوامل عِدة عندما نسأل أنفسنا "ما الذى يجعل منا ما نحن عليه؟" قد يظل المرء طوال حياته يعيش فقط فى شارع ضيق على أطراف هذه المدينة وقد يغزوها إلى أن يقطعها شرقا وغربا، فأى البلاد أنت؟ ثغرات النفس وحواريها غير منتهيه فهل اكتشفتها جميعها؟ وهل بعد اكتشافها عمَّرتها بالخير أم بالسوء.
فى يوم ما كنت أسير فى أرجاءها فقابلت رضيعا يبكى فحملته واطمئن فاطمئننت، وقابلت طفلا فى العاشرة ناظرا للسماء آملا بغد أفضل فأخبرته أنه سيصبح ذو شأن عظيم مستقبلا فاطمئن واطمئننت، وقابلت شابا يافعا يشتكى هموم الحياة فجلسنا نهون على بعضنا الطريق فاطمئن واطمئننت، وقابلت كهلا فوق الستين يخبرنى بأنه لم يعد هناك متسع فى المدينة يلجأ إليه فقد جالها بكافة ثغراته فوعدته بأن أزيد على المدينة مدينة أخرى وحياة بجوار الحياة كى تكفينا فاطمئن واطمئننت.
هل حاولت يوما أن تسير فى هذه الحوارى لاستكشافها؟
حُسن الجوار
لكل مدينة أسوار تختلف مستويات ارتفاعها بقدر اطمئنانك لمن تتعامل معهم، فهناك من تعامله خلف حجاب اخر سور على أطراف مدينتك، وهناك من تدنيه قليلا ليقبع فى الجانب الشرقى وآخر فى الجانب الغربى بجوار اخر سور هنالك، وهناك من تدنيهم أكثر لساحة اطمئنانك وأنسك، وهناك من تجعلهم بساحة قُربك، وهناك من تجعلهم نُصب عينيك، وهناك من تجعله نُصب قلبك وروحك حتى تكونا بؤرة واحدة لمدينتين التحما، فهل احسنت ترتيب جوارك فى مدينتك؟ هل تدنى من يستحق؟ وتقصى من لا يستحق؟ هل تدرك جيدا بأن حدودك تلك مقدسه وأنك وحدك المالك حق عبورها أو اعطاءك الاذن لمن تريد عبورها؟
الختام
إن لنفسك عليك حق ف وفِّه، وهنيئا لمن اتخذ له من نفسه أخلاء يحبهم ويحبونه، أشداء تجاه كل ظلم وخطأ، رحماء فيما دون ذلك من الخير والود.
فألف سلام وسلام عليك حتى السماء يابُني