الفهلوى، هو شخص متأقلم مع جميع الظروف، لديه القدرة الخارقة على تغيير جلده وقلبه وعقله.. بل ومبادئه أيضًا إن أمكن ذلك، يُقنعك بجميع الأشياء وعكسها، خبراته الحياتية أعمق بكثير من أن تواجهها بقناعاتك المتحجرة، نظرته للحياة بكل تفاصيلها دائما يُجانبها الصواب، يجعلك تنبهر بتحليلاته التى ربما لا تروق لقناعاتك، لكنها تستوقفك طويلا.
تحوّلت الفهلوة من نتاج فكرة يحتكرها البعض فى تعاملاتهم، إلى قانون يمشى بين الناس على الأرض، إذ تناقلتها الأجيال المتعاقبة، جيل بعد جيل، وأورثتها الحكومات فى نفوس الناس بالبيروقراطية والضحالة، فاخترع الناس قانون الفهلوة، أسموه "خليك حدق ومشى حالك"، حتى باتت سمة يتميز بها قطاع عريض من الناس، بل ويفخرون بها، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الثقافة تمثل عائقاً كبيراً أمام أى محاولة اجتهادٍ أو طموح.
فى واقعنا ستعرف قيمة تلك العبارة "خلى لسانك حلو"!، الذى يوصيك بها المقربون من حولك، أثناء دخولك معترك الحياة، يرسو بداخلك بعض القواعد التى جعلتهم فى أماكنهم التى يغبطهم الكثيرون عليها، وكلما استمعت لهم غالوا فى نصائحهم الثمينة، ويا لها من سعادة إذا أصغيت لهم، ومكّنتهم من أذنيك، فسيقول لك أحدهم ناصحا: "عشان تعيش فى الدنيا لازم تتعلم تبلف اللى قدامك بكلمتين حلوين وهيسيح معاك زى الحلاوة". ثم يستطرد بعدما تمتلئ سحنته بثقة، حينما يغمر وجهك اندهاش مفاجئ: "انت لسه عضمك طرى.. اسمع كلامى واعمل اللى أقولك عليه دون نقاش".
فالعبرة عند الكثير، ليست أن تكون موظفا أمينا، أو تاجرا شريفا، أو شخصا منضبطا فى مواعيده.. العبرة باتت كيف تستطيع "دهن الهوا دوكو"، كيف يمكنك أن تقتنص الفرص وتختصر المسافات بأقل مجهود لتصل لمرادك، حتى ولو على جثث الآخرين!
فأنت إذا كنت من أولئك الهادئين الهائمين، الذين يُنجزون مهامهم الوظيفية فى صمت، دون أية ثرثرة أو ادعاءات فارغة، فغالباً لن تُكمل عامك الأول وإلا وقد تعكر صفوك، ولو قمت بتحفيز نفسك وسط هذا الجو المشحون بالحقد، فلن تحظى بترقية تستحقها، وسيتهمونك بعدم المرونة والتكيف مع الوضع، وهم بالتأكيد لن يقصدوا المرونة التى تعتمل فى عقلك، من تطوير مهاراتك، وتغيير استراتيجياتك.. لا.. لكنهم يقصدون مرونة الحديث "المدهنن" الذى يمتاز برائحة القُرُنّفُلّ .
وأما العجيب فى الأمر، ستجد أن غالبية الذين يتمسكون بقانون الفهلوة ناجحين ومتصدرين وظائف خيالية، أما أولئك المتحذلقين "أصحاب نشر المبادئ، وتوعية المجتمع"، فإما جالسون يندبون حظهم فى انتظار نجدة السماء أو مُحافظين على ما تبقى من وظائفهم، "بينما قلوبهم وعقولهم فى عالم آخر". وتلك تحديداً آفة كبرى من آفات هذا الزمن. يُذكرنى هذا المشهد بالحاصلين على الثانوية العامة، دائما أصحاب الـ50% تجدهم فى وظائف قيادية، أما أصحاب الـ100% فغالبا لن تسمع لهم صوتا.
لكن.. للفهلوة وجوه أخرى، فأظن أن بين هؤلاء الفهلوية، شخصيات درامية صنعها كُتاب روائيون وكُتاب سيناريست، منها على سبيل المثال لا الحصر، شخصية "المعلم عبدالغفور البرعى" و"المعلم إبراهيم سردينة" عن رائعة "لن أعيش فى جلباب أبى" للمبدع الراحل إحسان عبدالقدوس. تحكى عن قصة صعود رجل من القاع إلى القمة، وتمسكه بالعادات والتقاليد.. أما ثانى أبرز شخصية روّجت للفهلوة، الحاج "متولى سعيد"، عن مسلسل "عائلة الحاج متولى"، للسيناريست والمؤلف الرائع "مصطفى محرم"، وتناقش تعدد الزوجات، ونهم الرجل الشرقى بالجنس الآخر.
جميعهم كانوا فهلوية من أرض الواقع، أظهروا الجانب المشرق للفهلوة، فهلوية فى الحب، والسياسية، والتجارة، لكنهم لم يُروّجوا للكذب والخداع والتضليل، لم يفرضوا قانون المصالح الأعمى، لم يكونوا متجبرين يتحكمون فى أقوات الناس، سايروا مصالحهم دون خرق للأعراف والعادات والتقاليد، وهذا كان دوراً محموداً لهؤلاء الكُتّاب والمؤلفين، الذين فتحوا منافذ أخرى للحياة ممزوجة بالخبرات الحياتية لهؤلاء واعتزازهم ببيئتهم التى نشأوا فيها.
وبحسب تصريح لأستاذ الطب النفسى، الدكتور أحمد عكاشة، أشار فيه إلى أن مصطلح الفهلوة، يتعلق بالمصريين، ولا يوجد له مثيل أو مقابل لغوى فى كل لغات العالم. وأضاف: "هو من نتاج الإنسان المصرى القديم، فكان يستخدم الفهلوة هرباً من فرض الضرائب الباهظة من قبل الحكومة، فضلاً عن حيلهم فى تخليص مصالحهم المعطلة".
"إن العشوائية تختلق ثقافة، مثلما يختلق النظام ثقافة"؟!
فيا عزيزى: "إذا لم تكن فهلوياً، فحاول أن تكون فهلوياً، أو صاحب صديقاً فهلوياً".