عندما أتحدث عن الأفكار فأنا بصدد أن أتحدث عن كيان ومصير فكيان المرء ما هو إلا مجموعة من الأفكار والقناعات وهي التي تحدد مصيره في الدارين الدنيا والآخرة فالإيمان فكرة والكفر فكرة وما بينهما العديد من الأفكار .
حيث يكون الإنسان أسير أفكاره التي بإمكانها أن تدفعه إما إلى السعادة أو إلى الشقاء .
ولو نظرنا الى عمل الشيطان لوجدناه مبني على السيطرة على أفكار الفرد بالوسوسة ومن ثم تصدر التصرفات والكلمات وأشير بخاصة إلى الكلمات لما في الكلمة من نجاة أو ضياع ،
فالكلمة هي مرآة الفكرة
وكما أن الفكرة تدفعك إلى الكلمة فإن الكلمة تدفعك إلى الفكرة أيضا ،
والمعنى أن الفكرة تدفع إلى النطق بكلمة إما طيبة أو خبيثة وهذا هو المعروف ،
ولكن كيف تدفع الكلمات إلى التفكير الصحيح ؟
إن ما أردت الإشارة إليه حقيقة هي الباقيات الصالحات ، و الإكثار من التسبيح ، والاستغفار وتلاوة القرآن
فجميعها تدفع حتماً إلى سلامة السريرة ومن ثم سلامة الأفكار وهكذا تواجه الكلمات الأفكار
ولذا فإن علاج الفكرة السامة التى تأتي بالوسوسة تكون بالاستعاذة بالله وهي كلمة .
إنها معادلة ذات اتجاهين إذاً ، فعليك أن تجعل الكلمة هي السلاح ضد الفكرة وليس العكس ومن هنا تملك زمام الأمر زمام النفس .
وقد تحملك الفكرة السلبية إلى الغضب والانفعال وهنا فإن العلاج أيضًا يكون بكلمة ونجد ذلك في قول النبي صلىٰ الله عليه وسلم في الذي اشتد غضبه إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه الذي يجد و يعني بذلك الغضب
وقد دخل يونس عليه السلام بطن الحوت بفكرة إذ ذهب مغاضبا و نجا من بطن الحوت بفكرة ممزوجة بتسبيح وتوبه حيث نادى في الظلمات (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) وقد عرف إبراهيم عليه السلام ربه بفكرة كما دخل يوسف عليه السلام السجن بفكرة حيث قال (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) ولو أنه ظن خيراً من ذلك لكان له . ونرى ذلك في قول ربنا جلا وعلا (أنا عند ظن عبدي بي ) وهو بذلك يدعونا سبحانه إلى السيطرة على أفكارنا فمنها يتحدد المصير .
و لكن شريطة نقاء الفكرة ففي الحياة نرى البعض ينتظر المعصية أو أمر ما من شأنه يتسبب في غضب الرحمن و يعتقد أنه بذلك يحسن الظن بربه وهذا لا يجوز حتما .
والأفكار هي مجموعة من الشحنات والانفعالات التي تسري من العقل إلى القلب أو ربما العكس وهذا هو الحال في الوسوسة حيث تبدأ فى صدور الناس .
وعند مواجهة مشكلة ما على المرء أن يدرك أنه ليس بصدد المواجهه مع المشكلة ذاتها بل أنه يواجه تفكيره
فقد يواجه المرء منا مشكلة ما فيحدث أن تمضي في طريقها الى الحل ويواجه الآخر نفس المشكلة فيزداد الأمر تعقيدا والسر يكمن في طريقة تناول العقل لتلك المشكلة والتفكير فيها
وفي بعض الأحيان يتطور الأمر إلى خلق أفكار جديدة غالباً ما تكون سلبية وغير موجودة داخل حدود المشكلة أصلاً وهذا هو الحال في من يعانون من فرط التفكير وهو ما يسمى ب Over thinking حيث تتوالى الأفكار بشكل مستمر أو ربما نفس الفكرة يعرضها العقل مرات ومرات ولكن من زوايا مختلفة وهنا ندرك أن هناك من الأفكار ما لابد له أن يُنسىٰ فلا علاج إلا بالتغافل حيث يقول رب العزة سبحانه (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) .
وكما يقول القائل إن لم تستطع أن تغير الواقع فعليك بتغيير تفكيرك
ولضمان سلامة الأفكار فإننا ندعو الله سبحانه وتعالى في اليوم 17 مرة أو أكثر (اهدنا الصراط المستقيم ) وسنظل حتى الموت ندعوه اهدنا وكأننا لم نصل الى تمام الهداية بعد .
ولدينا في ديننا الحنيف كنز خاص وهو صلاة الاستخارة وهي التي تأخذك حتما إلى الفكرة السليمة مئة بالمئة فالمؤمن قوي بربه وليس هذا إلا للمؤمن .
الفكرة :هي حديث النفس لذاتها وأحيانا هي حديث النفس لربها فليس كل سكوت صمتا مطبقا ففي أثناء السكوت قد يؤثم المرء ويثاب
فربما تكون الفكرة إثم كما يقول رب العزة سبحانه (إن بعض الظن إثم )
وهناك من العبادات ما لا يكون إلا بالفكرة فالصبر فكرة والعفو فكرة وتلك العبادات تتقنها النفوس الراقية التي تستطيع بمهارة السيطرة على الأفكار.
و يكفي أن الأعمال بالنيات ولكل إمرءٍ ما نوى وقد وصف الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين بأنهم دائمي التفكر حيث يقول جلا وعلا (ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك).
والحكمة هي سلامة الأفكار وهي من أعظم ما يعطي الله لعبده فمن أعطاه الله الحكمة فقد أعطي الخير الكثير
و للأفكار قوة لا تقل فتكاً عن المدافع والرشاشات يستعملها العدو للوصول إلى هدفه والنيل منه وقد استخدمتها بعض الدول لزرع الفتن بين أعدائها أثناء الحرب العالمية الثانية ونجحت في ذلك ولا تزال تستعمل حرب الأفكار وتتخذها نهجاً لها
وقد بات الأمر سهلاً فى زمن التواصل و الإنترنت وأبسط ما يقوم به العدو هو فقط أن يضع الفكرة في رأسك ثم تقوم أنت بالتصرف كما يريد .
يقول القائد الألماني رومل ( إن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم )
وتلك آفة زماننا بدايةً من الغزو الثقافي و مروراً بالمعلومات المغلوطة والأعمال المعروضة على الشاشات فمنها ما يفتك بالعقول والأخلاق .
والفكرة قد ترتفع بصاحبها إلى أقصى درجات الأمل و الحياة وقد تقتل صاحبها باليأس حيا أو تدفعه فعليا إلى الإنتحار وكما أن الحسد مجرد فكرة ولكنه طاقة قوية قد تدخل الإنسان القبر .
ولعلماء النفس أساليب علاجية بالخيال لا تقتصر على العلاج النفسي فقط بل أن الكثير من الأمراض البدنية قد نجح علاجها بالإيحاء وهو ما يسمى placebo حيث يسهم العلاج الوهمي بأكثر من ٣٠ ٪ من الشفاء وترتفع مناعة الجسم فيمضي في طريقه فعلياً نحو الشفاء .
والصلاة هي تدريب عملي يدفعنا إلى السيطرة على أفكارنا خمس مرات في اليوم فتكون النتيجة المرجوة هي نفس قوية تستدرك وسوسة الشيطان كلما أتاها طائف تذكرت فهي حتما تنهى عن الفحشاء والمنكر .
وها أنا عندما أردت أن أمسك بقلمي لأتحدث عن الأفكار وجدت نفسي أمام موضوع يشمل كافة الموضوعات فالحديث عن الأفكار لا ينتهي فهي الروح ذاتها وبها تفقه القلوب ، وبها تعمى وتبصر كما أن بها قد ينير الدرب أو يظلم وعليك الاختيار ولكن قبل أن تختار عليك أن تدرك أن الاختيار فكرة .