قديما.. حينما كنا صغارا ضالا .. وكانت الحياة ضحلة هى الأخرى.. كنا نقف وننظر إلى الجانب الآخر.. كنا ننتظر لنصعد إليه.. أو ليهبط هو إلينا.. لنقترب أكثر.. فنكبر.
أنت الآن هناك.. وصرت تنظر إلى كل تلك الأماكن التى عبرتها.. وقد وقفت بها ..
ولكنها الآن لم تعد لك.. إنها الآن غريبة عنك وصرت أنت غريبا عنها .
ثمة أشياء تنقصها.. ربما أشخاص.. كلمات.. ربما نفسك التى مضت مع الزمان الذى مضى..
أحيانا أرى الماضى كان أكثر أمانا .. وحيثما كانوا هم كان الأمان .. وحيثما كانوا .. كنت أنت.
ولكنهم لم يعودوا .. وأنت الآن لم تعد كما كنت من قبل .. ثمة أشياء قد تهشمت.. تبدلت.. تناثرت بعيدا عنك !
ولكنك الآن واقفا فى الجانب الآخر الذى كنت تنتظره.. فكان الواقع ساخرا كاذبا ..حين صرنا أبعد عن حقيقتنا .. فباتت المصالح تحكم كل شىء.
والجميع قد تستهويه المظاهر .. ولم تعد لترى صدقا فى أى شىء.. وهؤلاء ممن قد ادعوا الصدق.. لم يكونوا!
وصار الكذب يربح أكثر.. فكان الصدق خاسرا منبوذا..!
والجميع قد يخشى الظلام.. ولا أحدا يكاد لينتظر الجانب المظلم كى يضىء.. ولكن الظلام بيننا.. إنه يسكننا..
لقد مضى الزمان بأناسه.. حتى إنك بالكاد تلمح طيفا من بقاياه.. وتحاول أن تتشبث بتلك الشظايا التى تنطفئ قليلا فقليلا..
فيظل الماضى الأقرب إلى الصدق وسط حاضرا يحمل كل الأكاذيب ..
إلى أن يأتى ذلك الزمان الذى يصبح ماضيه كاذبا هو الآخر وحاضره أكثر كذبا.. ولكنى لا أريد أن أصل إلى ذاك الزمان ..
أما الآن.. فأنا أريد العودة.. عودة إلى تلك البقايا المشوشة فى الذاكرة.. إلى تلك الحياة الضحلة القليلة.. العودة إلى الجانب الذى منه كنت أقف لأنتظر ..
العودة من نفسى إلى نفسى.. نفسى التى كانت.. حيث الأمان.. حيث المكان والزمان.. حيث كنا وكانوا....