عام 1877، فقدت الجزائر جزءًا من شِعرها، فقدت أحد عمالقتها البارزين فى الساحة الشعرية، صاحب الإلياذة، وصاحب قصيدة قسما، التى تمّ اعتمادها سنة 1956م، كنشيد رسمى للدولة الجزائرية، وتمّ تصنيف هذا الأخير سنة 1996، كأفضل نشيد من بين مئة نشيد وطنى فى العالم، إنه مفدى زكريا، شاعر الثورة الجزائرية.
أذكر أنى كتبت ذات يوم نص عن هذا الرجل العظيم، فكان ربما النص الثانى الذى أكتبه، فقلت فيه": قلم سحرى يكتب كلمات إبداعية بعقل جوهرى إنها لشاعر الثورة، وكيف لا يسمى بهذا الاسم، فهو الذى نذر قلمه للكتابة عن الثورة وأحداثها بأروع وأجمل المفردات، إنه مفدى زكريا المولع بالثورة الجزائرية، صاحب الصوت ذو النبرة الحادة، هو رمز من رموز الجزائر وعلم من أعلامها، كل صباح نقف لتلاوة قصيدة من قصائده وهى النشيد الوطنى قسما، نتغنى بكلماته الجميلة وكيف لا وأن هذا النشيد تمّ تصنيفه ضمن أحسن الأناشيد الوطنية فى العالم، ليس لجمال لحنها فحسب، وانما لجمال معانيها التى تبعث فيك روح الوطنية ويبث بداخلك الخشوع، فتذكرنا بالتاريخ الذى عاشه أجدادنا جراء الإستدمار الفرنسي.، فاشهدوا أنه شاعر الثورة الجزائرية.، فاشهدوا أنه مفدى زكريا..فاشهد أنه مناضل من مناضلى الثورة التحريرية."كنت ولازلت مدهوشا من قوة كلماته ورهافتها، أغرمت بشعره فرحت أقرأه وأرتوى منه، فكلما قرأت قصيدة له، وجدته هناك متكأ على أبياته، يحتسى كأس من شاى الغزل بالجزائر وصحراءها، ومرة يحتسى قهوة مرّة ممزوجة بطعم دم ونضال المجاهدين، ومرّة يمضغ علكا مرّا لجرائم فرنسا..وأخرى يتلو نشيدا لفقدانه أحد المناضلين.
رحل مفدى وترك خلفه ترسانة شعرية، ومجموعة نثرية، مهمة، لابد من وضع مقتطفات منها فى البرنامج الدراسي، من أجل الحفاظ على روح هذا الشاعر العظيم، وتطعيم الأجيال الصاعدة بشيء من شعره ووطنيته،على الأقل لكى يبقى اسمه محفورا فى ذاكرة أبناء هذا الجيل الذى لم يعد الشعر يعنى له شيئا.
هذا العام تمرّ واحد وأربعين سنة على وفاته التى بات ذكراها فى سجل النسيان، ماذا أعددنا فى ذكرى وفاة هذا الرمز النضالى؟ ماذا فعلنا لنطمئن هذا الراحل فى قبره بأننا حفظنا العهود؟.