الاقتصاد علم كبير له خبراء وعلماء وهم من وضوعوا النظريات الاقتصادية التى تنظم الاوضاع الاقتصادية للدول، ويتم تطبيق تلك النظريات لضبط الاسواق وضبط سعر العملة المحلية للدولة وطرق تداولها، أى أنها تنظم الحركة التجارية الداخلية والخارجية للدولة وشعبها على السواء .
فعلماء الاقتصاد وضعوا معنى لكلمة (تضخم) وكيف يحدث واسباب ارتفاعه وانخفاضه، ووضعوا له القوانين الحاكمة والمسيطرة عليه، وبناء عليه تتحرك الدول والشعوب معاً من اجل السيطرة على (التضخم) فى حالة ارتفاعه عن الحدود الامنة.
وفى الدول المتحضرة تتابع الشعوب حركة السوق وتوجها الحكومات والجهات المختصة بمراقبة حركة التداول فى السوق، فيتم التحكم فى حركة التجارة الداخلية والسيطرة على السوق وعمل توازن بين العرض والطلب حتى لا يميل اى طرف منهما فيسبب خللا فى قيمة السلعة فى السوق، ويعطى للسلعة سعرا غير حقيقى سواء كان بالزيادة او النقصان، لان فى الحالتين تقع اضرار على طرفى العملية الشرائية وهم التاجر والمستهلك، وبالتالى تتأثر القيمة الشرائية للعملة المحلية .
ولكننا فى مصر حطمنا كل النظريات الاقتصادية التى تحكم العالم اجمع واصبح لدينا نظريات خاصة بنا، سواء كنا مستهلكين او تجار واصبحنا ( بلد الـ 100 مليون عالم وخبير فى الاقتصاد)، فلكل منا نظرية اقتصادية خاصة به يعيش بها ويتمسك بها ويتعامل بها فى حياته اليومية، ويعد ذلك احد اسباب ارتفاع حجم التضخم فى مصر لنسبة كبيرة جداً من بعد ( 25 يناير ) التى مر عليها ما يقرب من 8 سنوات وحتى الان ولا نستطيع أن نعود به الى النسبة الامنة بسبب فشل النظريات الاقتصادية التى يتبعها العالم فى ترويضنا واتباعنا لنظريات اخرى ليس لها علاقة بكلمة اقتصاد ( الطبيعية ) التى تعرفها كل الشعوب ..
نحن هنا نتكلم عن تداعيات النظريات الاقتصادية الخاطئة التى تطبق فى الداخل سواء كان من الدولة او من المواطن بنوعية (تاجر و مستهل ) .فطبقاً للنظرية الاقتصادية (الطبيعية) الخاصة بتعريف زيادة معدل التضخم (اللى هيموتنا) فان سبب ارتفاع نسبة التضخم هو ارتفاع الاسعار مع انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية .
وطبقاً للنظرية الاقتصادية المعروفة للعامة أن سعر السلعة يحدده حجم الطلب عليها وحجم المعروض منها .، اى أن زيادة الطلب عن المعروض يتسبب فى ارتفاع الاسعار وزيادة المعروض عن الطلب يتسبب فى انخفاض الاسعار، ومع انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية بسبب ارتفاع سعر العملات الاجنبية مقابل الجنيه لقلة حجم اعمال الجهات الموردة للعملات الاجنبية مثل ( زيادة نسبة الصادرات والسياحة .. إلخ) .
فان السوق المصرى من المفترض انه يعانى من الركود وبناء عليه من المفترض أن يزيد المعروض عن المطلوب وينتج عن ذلك انخفاض فى سعر السوق ولكننا (سبحان الله) نعانى من ارتفاع جنونى لجميع السلع سواء كانت سلع مستهلكة او معمرة على الرغم من توافر كل الاسباب التى تؤدى الى (ركود السوق) مثل قلة الدخل وقلة حجم الطلب بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية، فنجد زيادة اسعار الاجهزة الكهربائية والالكترونية والسيارات والملابس والطعام فى زيادة يومية بدون اى مبرر وبدون اى اسباب على الرغم من ثبات سعر العملة الاجنبية فى السوق ( شماعة التاجر) ويبدأ المواطن ( المستهلك ) فى البكاء على حاله ويسب الدولة ويتهمها برفع الاسعار من اجل خنق المواطن وتجد المواطن (التاجر) يدافع عن قراره برفع الاسعار بان السوق عرض وطلب ويقوم بتعليق حجته على (شماعة) سعر العملات الاجنبية فى السوق وذلك على الرغم من ثبات السعر واذا تحرك يتحرك بمقدار لا يقارن ابداً بالقيمة التى زادت على سعر السلعة فى السوق .
وتجد الحكومة تشاهد من بعيد الحرب الكلامية بين المستهلك والتاجر مع الوعد بالتفكير فى حل للازمة، ولكن اذا بحثت فى الامر تجد أن هناك ثلاث اسباب تؤدى الى ذلك وهى اسباب مترابطة ببعضها مشترك فيها كل الاطراف:
1 – مراقبة الحكومة للسوق واحكام سيطرتها علية ليس بالصورة الطبيعية التى يجب أن تكون عليها وعندما تتدخل الدولة فى السوق لضبط الاسعار، يكون تدخلها مؤقت وذو تأثير ضعيف، مما يعطى للتاجر الفرصة للعودة مرة اخرى والسيطرة على السوق مع الانتقام من المواطن (المستهلك) لمساعدته بشراء سلعة رخيصة الثمن، وذلك شاهدناه عندما قامت الدولة بدعم الدواجن المستوردة لفترة محددة جعلت كل بيت فى مصر يأكل دواجن رخيصة الثمن مما اصاب التجار بصدمة والبكاء والوعد كذباً بتخيفض الاسعار على كل شاشات الفضائيات، ولكن تدخل الحكومة كان لمدة قليلة ورفعت يدها مجدداً عن السوق فعاد التاجر للسوق مرة اخرى مع رفع قيمة سلعته لانه يعرف أن ( المستهلك ) قادم اليه لا محالة ،
2 -جشع التاجر الذى لا يهتم بأى شىء الا زيادة نسبة الربح من تجارته دون النظر الى القدرة الشرائية للمواطن المستهلك .، فقد اصبحنا نعيش فى عصر تتحكم فيه مجموعة من الافراد فى قوت شعب لتحقيق اكبر نسبة ربح ممكنة مستخدماً نظرية ( العرض والطلب ) وتكيفها على مقاسهم ولانهم يعلمون كم نحن مستهلكون بدون وعى فهم يتلاعبون بالسوق كما يحلوا لهم ويتحكمون فى حجم وجودة المعروض وفى كل الاحوال المواطن ( المستهلك ) لا يخيب ظنهم ابداً ويقوم بتحقيق نظرية التجار الاقتصادية فى التحكم فى السوق، ثم يبكى.
3 - السبب الثالث والذى اعتبره الاهم وهو حالة اللاوعى التى يعيش فيها المواطن .، فنحن شعب مستهلك بشكل غير طبيعى لكل شئ سواء كان طعام او ملبس او اجهزة الكترونية وخلافة .
نعم.. فنحن نشتكى من قلة الدخل وهو امر حقيقى، ولكننا يجب أن نقوم بملء الثلاجة بأكثر مما نحتاج من الطعام مثل اللحوم والخضراوات وخلافة قبل شهر رمضان والاعياد او قبل كل مناسبة عامة .
لهفة كل فرد منا الى اقتناء سيارة جديدة حديثة او تغيير سيارتة القديمة بأخرى حديثة حتى نكون مثل ( فلان ) فنجرى على معارض السيارات ونوقع شيكات الاقساط دون التفكير فى طرق سدادها .، المهم أن نركب السيارة .
نلهث خلف كل منتج جديد ينزل الى الاسواق وخصوصاً الهواتف فننفق عليها مليارات سنوياً، حباً فى الاقتناء والكثير منا يلجأ الى الاقتراض من اجل ذلك .
وعندما تطرح كل ما سبق من سلبية المواطن فى التعامل بالشراء امام احد من هؤلاء تسمع رد غريب لا ينطق به الا اهل مصر وهو ( انت كمان مش عاوز الناس تأكل وتشرب وتفك عن نفسها شوية ) وربما تتعرض للسباب ايضاً .
يجب أن نعلم ( كمستهلكين ) اننا من نصنع الضغوط على انفسنا بسبب سياستنا الخاطئة فى المعيشة.. فيمكننا الاستمتاع بحياتنا جيداً بقليل من الوعى.. الوعى بثقافة الحياة التى يتمتع بها المواطن ( المستهلك ) الاجنبى، فكلنا نعلم أن المواطن ( المستهلك ) فى الدول المتحضرة يشترى اى شىء بالقطعة سواء كان لحوم او فاكهة ونتغزل فى فكرة واسلوبه فى الحياة، ولكننا عندما نتعامل مع السوق لا نتعامل مع السوق كما يتعامل المستهلك الاجنبى، فكلمة ( كيلو ) عيب فى ثقافتنا الاقتصادية، فما بالك لو طلبت من احد المستهلكين المحلين الشراء بالقطعة !!
فنحن نستطيع أن نجبر التاجر الجشع على وضع سعر عادل للسلعة مع توافر الحالة الجيدة لها والمناسبة لسعرها، وذلك عن طريق سياسة الامتناع عن الانفاق على كل ماهو غير ضرورى فى حياتنا مع مقاطعة التاجر الجشع صاحب السلعة مرتفعة الثمن بشكل مبالغ فيه .
فقبل الاعياد ترتفع اسعار الخضروات لاكثر من اربع وخمس اضعاف الثمن فنصرخ ونشتكى الى الله، ثم نشتريها ! فيحقق التاجر ارباحا خيالية ويخسر المواطن الكثير من دخله، ولكننا اذا قاطعنا تلك السلعة فستبور وتهلك ويقع على التاجر الجشع خسائر كبيرة تجبره على احترام المواطن الذى لولا شرائه لسلعة التاجر ما كان ذلك التاجر تاجرا اصلا .
فيجب أن يكون هناك عمل مشترك بين الدولة والمواطن، فالدولة هى صاحبة الذراع الطويلة والقوية التى تحمى المواطن من الجشع والمواطن هو صاحب قرار الشراء او الامتناع عن الشراء، فلا احد يجبر المواطن على الشراء والانفاق ولكن حب الاستمتاع بالحياة هو ما يدفعه .
فبقليل من الوعى والمعرفة ينظم المواطن حياته بمساعدة الدولة، فالمواطن هو احد العناصر المكونة للدولة وهو من بيده أن تكون دولته بصحة جيدة او مريضة، انها ثقافة الحياة التى نفتقدها، فليدع كل منا النظرية الاقتصادية التى يعيش بها ويبدأ فى تعلم ثقافة الشراء والاقتناء كما يجب أن تكون .
يذكر عن جابر بن عبدالله أنه قال: رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا فى يدى فقال: ماهذا ياجابر ؟ قلت اشتهيت لحما فاشتريته، فقال عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت ياجابر !
اللهم اصلح لنا حالنا، ويسر لنا امورنا ..وارضنا بما قسمته لنا، اللهم امين.