لست ممن يحبون لحظات الوداع والفراق بين الأحبة، إلا تلك اللحظة التى لازلت أشتاق إليها على الشاطئ، إنها لحظة الغروب حين تودع الشمس ذلك السحاب وتنسحب من بين بساط السماء شيئا فشيئاً، وكأن خيوط الغسق الأحمر لحظة رحيلها كأناملها تتشبث بالسماء وسحابها، فكم يؤلمها الفراق، وكأنها تقول لا أحب الرحيل عنك .
فترحل وتغيم السماء، لقد أناخت ظلمات الفراق عليها وساد السكون، وكأن حالة من الحزن تكسو الأفق، فحينما تأتى لحظات الفراق تلك رغما عنا فيرحل من نحب، تتشبث أرواحنا بهم رافضة لفراقهم .
وحين يرحلون يظلم بداخل أرواحنا شيئا، كان لا يقدر على نوره وبهجته سواهم ويسود الصمت فى الروح متحيرة لا تجد من يفهمها ولا يؤيها، ولكن فى صفحاتها تنعكس صورهم وكلماتهم التى تركوها قبل رحيلهم، كما ينعكس ضوء الشمس فيجعل من القمر المظلم نورا يبدد ظلمات السماء، فتبدد صورهم بداخلنا ذلك الظلام ويعود إليه نوره كما كان وكأن كلماتهم وآثارهم فينا كتلك النجوم اللامعة فى السماء، رحلوا ولكن لازال قبس نورهم يبدد ظلماتنا. ورحلت أنا الأخرى عن الشاطئ، بعد أن احتضنت بعينىّ السماء مشفقة عليها من لحظات الفراق تلك ولكنى مزقت سكون الأفق المطبق بقولى لها، ستأتى قريبا رويحات الفجر وتعود إليك الشمس تحتضنك من جديد.