كُلُّ منا يبحث دائمًا عن شخص أو شىء يكون قريبًا منه؛ لأننا نأبى الوحدة ونخشاها بشدة، وكلنا يسعد بقُرْبِ الآخرين منه، والتفافهم حوله، ويجد فى ذلك مُنتهى اللذة، لاسيما لو كان هذا القُرب من أحب الناس أو الأشياء إلينا، ويشعر أن فى ذلك مُنتهى الإخلاص، وهنا يحس بالدفء والأمان، وربما يشعر أنه تَمَلَّكَ الدنيا وما عليها، لدرجة أنه قد لا يعبأ بالأشياء الأخرى، ويكتفى باحتضان هذا الشخص له، فتنحسر كل الأشياء أمامه، ولا يمكن أن يُقارَن بغيره، ولكن السؤال يأتى هل يقترب منك كى يحتضنك، أم لكى يلتهمك؟!
فيُحْكى أنه كانت هناك امرأة فى الهند تُربى فى منزلها ثُعبان لها، منذ أن كان صغيرًا، وكانت تهتم برعايته، وتغذيته لسنوات طويلة، وكان ينام بجوارها، ويلتف عليها دون أن يُؤذيها، وذات يوم لم يأكل الثعبان أى طعام مما تقدمه له المرأة، وظل على هذا الحال لعدة أيام، فشعرت المرأة بالقلق والخوف عليه، فقررت أن تأخذه إلى الطبيب البيطرى، فقال لها الطبيب: "هل لا يزال الثعبان حتى الآن ينام بجواركِ، ويلتف حولكِ؟"، فأجابته المرأة: "نعم كل يوم يلتف على؛ طمعًا فى الدفء كعادته منذ سنوات طويلة"، ابتسم الطبيب فى هدوء، وقال لها: "هذا الثعبان الكبير الذى بلغ طوله الآن أربعة أمتار، وقد امتنع عن الطعام لأيام كثيرة، ليس مريضًا على الإطلاق، إنما هو فقط يستعد ليلتهمكِ، يُحاول كل ليلة أن يلتف حولكِ؛ وذلك ليس طلبًا للدفء كما تظنين، ولا حبًا فيكِ، إلا أنه يُحاول أن يقيس حجمكِ مع حجم جسمه؛ حتى تستوعب معدته وجبة حجمكِ، ويُحاول أن يجوع لأطول فترة ممكنة؛ حتى يُمكنه أكلكِ".
وكانت الصدمة، فهل تصدق أن الكثيرين قد يقتربون منك لكى يلتهمونك، فللأسف الشديد، كلاهما قُرب، فمن يريد احتواءك واحتضانك يقترب منك، ومن يريد التهامك أيضًا، يقترب منك، فكيف يتسنى لك أن تُفرق بينهما؟!
لذا حاول أن تجعل مسافة ولو يسيرة، بينك وبين الآخرين؛ حتى لا يلتفوا حولك ويعتصروك، فلو ماتت الأحاسيس والمبادئ، فلا تندهش من أى سلوك قد يأتيه من حولك، حتى لو كنت منحتهم منتهى الإخلاص والوفاء والعطاء، فالكلب خُلِقَ ومعه الوفاء، والثعبان خُلِقَ ومعه الغدر، ولن يُغير من طبع أيًا منهما، حُسن مُعاملتك أو سُوءها، فسيظل كل منهما كما هو، مهما فعلت، فضع المسافات؛ لتتقى شر اللدغات.