قد نختلف جميعا على مقدار النعم التى منحها الله لكل واحد منا لكن ثمة نعمة لا يختلف عليها اثنان ألا وهى الوقت، طالما تحيا فأنت تملك من الوقت ما يملكه الآخرون فى كل بقعة من العالم بمختلف ألوانهم وأجناسهم لكن الفرق يظهر فى كيفية استغلال كل منا للوقت الذى بين يديه.
ولعل ما يميز هذه النعمة أنه لا ادخار فيها، إنك لا تستطيع الاحتفاظ بالوقت أو ايقافه أو ادخاره فالثانية التى تمر إنما هى من عمرك ولا تستطيع استعادتها.
إن أكثر ما يردده الكثيرون منا هذه الأيام أن الوقت قد خلا من "البركة" وأصبح أحدنا لا يستطيع إنجاز أعماله اليومية رغم أن الوقت هو الوقت والليل هو الليل والنهار هو النهار؛ لم يزيدوا ولم ينقصوا! إذا ماذا حدث؟.
المشكلة تكمن فيمن يسرق أثمن ما لدينا، ربما نتفق جميعا على أن أجدادنا لم يكن لديهم هذا الكم من لصوص الوقت الذين يملأون حياتنا الآن، هؤلاء اللصوص المتمثلون فى كم القنوات الفضائية التى تعرض برامج لا تثمن ولا تغنى من جوع، ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعى المليئة بالشائعات والأكاذيب التى حولت حياتنا إلى كذبة كبيرة نعيش داخلها ولا نستطيع منها الخلاص.
وهكذا أصبح لدينا مفهوم خاطئ يتم الترويج له ليستحيل إلى غاية وهدف؛ يدور حول سؤال واحد هو كيف تقضى وقتك أو كيف تقتل الفراغ والواقع أن الوجه الحقيقى والقبيح للسؤال عينه هو كيف تهدر وقتك وتسرف فى إنفاقه فيما لا يفيد، ثم يتبارى هؤلاء اللصوص فى تخطيط يومنا، كيف نقضيه دون أن نشعر به وكان من الأولى أن يكون المفهوم؛ كيف نستغل أوقاتنا الثمينة فى عمل أشياء مفيدة تحقق لنا السعادة والرضا.
لاشك أننا فى أحيانا كثيرة نقع فيما يُنصب لنا من شراك لمشاهدة برامج لا هدف لها إلا إضاعة الوقت؛ خريطة محكمة يرسمونها بحرفية بالغة تأخذنا من برنامج ترفيهى إلى مسلسل، إلى فيلم طويل ثم سهرة ممتدة لتضيع أيامنا هباء منثورا، إذن فالمسألة لا تتعلق "بالبركة" أو بما اعتدنا أن نردده عن حلاوة الماضى وأيام زمان، وإنما هم اللصوص الذين قفزوا إلى حاضرنا بينما لم يكن لهم وجود فيما سبق فكان للناس وقت للعمل وتبادل الزيارات وتقديم التهانى والتعازى وكان لديهم وقتا للترفيه والمتعة ولتربية الأبناء.
وبحسبة بسيطة لو افترضنا أن الإنسان يعيش لمدة 60 سنة ستجد أنك تمضى ثلث عمرك فى النوم أى 20 سنة على افتراض أنك ستنام يوميا لمدة 8 ساعات ولو أمضيت ساعتين يوميا أمام التلفاز فهذا ما يعنى إمضاء 4 سنوات من المشاهدة المستمرة، ولو افترضنا أنك ستقضى ساعة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعى فى اليوم فإن ذلك يعنى إمضاء سنتين من عمرك الكلى على تلك المواقع، ولو استعملت هاتفك الجوال لمدة ساعة فى اليوم فى مكالمات لا تعود بالنفع ستجد نفسك قد أمضيت سنتين أخريين فى تلك المكالمات، لتجد فى النهاية أن نصف عمرك تقريبا قد ذهب ولا تدرى إلى أين، قَالَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والوقت". وهناك حديث آخر يقول فيه النبى لا تزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع منهم عمره فيما أفناه، نحن مسئولون عن هذه النعمة العظيمة، بعضنا يعيش عمره ألف مرة وآخرون يعيشونه دون أن يعيشون وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقى دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان.