قرأت تحقيقًا بإحدى الصحف عن هجرة الفلاح إلى المدينة؛ متناسين المثل القائل: "إيه رماك على المُر، قال اللى أمرُ منُه"، فالمدينة بالنسبة لمن نشأ فى الريف الهادئ بين جنانى الطبيعة، وروح المحبة والتعاضد بين أفراد المجتمع الصغير، المهاجر القروى يرى المدينة كما صورها الشاعر العراقى إبراهيم البيانى: والعائدون من المدينة يا لها وحشا ضريرا، صرعاه موتانا، وأجساد النساء والحالمون الطيبون؛ يضطر الفلاح للهجرة لضيق المعيشة وقلة الموارد، فالأرض الزراعية كما هى منذ مئات السنين، إن لم تكن تقلصت بالبناء عليها، وعدد أفراد الأسرة يزيد جيلًا بعد جيل ؛ يترك الفلاح القرية للعمل كبائع متجول، أو كبواب؛ ومن أبناء الفلاحين من دخل الجامعة ولم يجد له فرصة عمل بمحافظته، فيخرج ساعى عن وظيفة.
ابن الريف يجد فى حياة المدينة معاناة كما صورها الشاعر المصرى عبد المعطى حجازى: رسوت فى مدينة من الزجاج والحجر، الصيف فيها خالد ما بعده فصول، بحثت فيها عن حديقة فلم أجد لها اثر، وأهلها تحت اللهيب والغبار صامتون ؛ تجاهل المسئولين لمشكلات سكان القرى من أنشاء ورش ومصانع لتعبئة الخضروات والفاكهة، مزارع للدواجن ومصانع الألبان، وخلق فرص، وأرى طفل الريف محظوظ كثيرا عن طفل المدينة فهو يرى مراحل نمو النبات والحيوانات ما يجعل خياله خصب قادرًا على الإبداع؛ الفلاح المهاجر يحيا فى المدينة مشطور الوجدان، بين الحنين لأرض الميلاد وبقاؤه على لقمة العيش فى المدينة.