الفضيلة الـ15: "النشـاط وضبط النفس" قال الحكيم سليمان فى كتاب الأمثال، إن الرجل الذى ليس له إرادة على التحكم فى نفسه، يشبه مدينة أسوارها منهدمة، فيمكن حينها لأى شخص أن يقتحمها ويهزمها بسهولة، وقد كان السيد المسيح مثالاً رائعاً على الالتزام وضبط النفس، كما امتلأت حياته بالنشاط المستمر بدون بُطءٍ أو خمول.
فى بداية خدمة السيد المسيح بعد أن عُمِد من يوحنا المعمدان ذهب أولاً إلى البريه مُنفرداً لمدة أربعين يوماً وليلة وصام هناك، ثم ذهب مباشرة بعدها إلى منطقة الجليل وابتدأ رحلة البحث عن تلاميذ له، وبعد أن وجدهم ذهب إلى مجامع الجليل ليُلقى تعاليمه وكانت الجموع تزدحم لتستمع إليه، وبعد أن انتهى من تعليمهم ذهب الى بيت سمعان وهو واحد من تلاميذه وكانت حماته مُصابه بالحمى فشفاها.
بعد أن أكمَل السيد المسيح ذلك اليوم والذى كان موافق يوم السبت وهو يوم الراحة عند اليهود والذى كان يُحَرَم فيه عمل أى شيء، فكان اليهود ينتظرون نهاية هذا اليوم ليذهبوا إليه " كان انتهاء اليوم بعد غروب الشمس مباشرة على خلاف توقيتنا الحالى " وبعد غروب الشمس يوم السبت اجتمعت المدينة أمام بيت سمعان طالبين السيد المسيح لشفائهم والتحنن عليهم، وبالرغم من كونه يوم شديد التعب عليه لم يأمر تلاميذه بأن يصرفوهم بعيداً ولكنه تحنن عليهم وبقى معهم ولم يتركهم أبداً.
كل تلك الأحداث المتتالية وبعد مضى يوم شاق جداً، يُخبِرنا القديس مرقس الرسول إنه فى اليوم التالى لتلك الليله قام باكر جداً فى الصباح والجميع مازالوا نائمين، ثم ذهب منفرداً إلى مكان مُنعزل وكان يُصلى هناك، وعندما استيقظ كل من كانوا معه قال لهم هيا لنذهب إلى القرى المُجاوره لكى اُعلِم الناس هناك أيضاً، ويُخبرنا لوقا الطَبيب عن السيد المسيح إنه ذات يوم ترك تلاميذه لعدة لحظات على جبل الزيتون وذهب لكى يُصَلى وإذا كان ذلك الوقت أشد الأوقات قساوة وصعوبة عليه ولكنه كان يُصلى فى جهاد بينما كان تلاميذه نياماً فقال لهم قوموا وصلوا حتى لا تدخلوا فى تجربة.
حتى وإن كانت الطبيعة البشرية تميل إلى الخمول والراحة، كان السيد المسيح يقاوم ذلك ويُعَلِمنا باستمرار أن النشاط والاجتهاد والعمل الجاد هم وسائل وأدوات أساسية لضبط النفس، ولهذا قد قال الرسول بولس إلى أهل كورنثوس أن كل من يُجاهد يستطيع أن يضبط نفسه فى كل شيء، ذهب السيد المسيح أيضاً من منطقة اليهودية إلى مدينة سوخار فى السامرة مُسافراً مُحتمِلاً حر النهار لكى يلتقى بامرأة تشتاق أن تراه لتتغير حياتها إلى حالٍ أفضل، وبالرجوع إلى أطلس الخرائط والمسافات وجدت أن المسافة التى اقتطعها السيد المسيح سيراً على الأقدام تقارب حوالى 63 كيلو متراً، إلى أن شعر بالتعب فاستراح عند بئر يعقوب، حقاً قد امتلأت حياة السيد المسيح بالنشاط وضبط النفس، فقد قال الحكيم قديماً أن ثروة الإنسان الكريمة هى الاجتهاد، فاجتهد، اضبط نفسك وراقبها باستمرار وحارب الكسل بالنشاط والعمل الدائم، كن شخص مُنتج فى الحياة، وبداية كل هذا أن تَـطلب المعونة من الله وسوف يُعطيها لك.
و بعد أن أمضينا سوياً جولة فى حياة السيد المسيح تعرفنا من خلالها على بعض الفضائل الهامه من حياته، اُذَكِرك إنها القواعد الهامه لمن يريد أن يتمتع بحياة سعيدة، وأضيف أيضاً أخيراً وأقول إنها بمثابة دستور أخلاقى جديد فى زمن لم يعد للأخلاق فيه مكاناً يُذكر فهنيئاً لك السعادة يا من استطعت تطبيقها.