تستمر الشمس كل يوم فى البزوغ لا يثنيها عن ذلك شيء ولا تستديم الحياة دون استمرارها، يدور القمر حول الأرض ويتتابع الليل والنهار دون انقطاع، تواصل النباتات نموها ويغدو الصغير كبيرا، تثابر النملة فى حمل غذاءها وتواصل زخات المطر الهطول، فالديمومة أساس الحياة فى هذا الكون؛ بها يصل الانسان إلى مراده وبها أيضا تنتقل الأحلام إلى أرض الواقع، فلا شيء يكتمل بالإحجام عنه ولا توجد نهايات واضحة دون دوام منتظم.
أصحاب العقول الحالمة الدؤوبة الذين يسيرون فى الأرض بمبدأ الإصلاح لم يصبحوا كذلك فى ليلة وضحاها ولا يوجد فى قاموسهم نجاحا وليد الصدفة، كل الأمور التى يسعون إليها ثم يحققون فيها نجاحاً باهرا كانت جميعها نتاج استمرارية منتظمة وبناء للعادات الجيدة التى مهدت لهم الطريق نحو أحلامهم التى بدت للآخرين صعبة المنال أو ربما مستحيلة الحدوث.
إن بناء العادات والسير على نهج واضح فى طريق الحياة ما هو إلا عملية منتظمة ومستمرة من شحذ الهمم على نحو بسيط ولكن السر الذى يكمن هنا كون هذه الهمة مستمرة دون انقطاع، فدوام تعلم الإنجليزية مثلا ساعتين كل يوم قد يجعل منك متحدثا بطلاقة خلال شهور، أو ربما تكون متمرسا فى كتابة الخط الكوفى على سبيل المثال عند استمرارك فى تجربته مرتين خلال الأسبوع، وحتى عزف البيانو بمقدوره أن يصبح أكثر سهولة بعد شهرين من انتظامك فى تعلم الأصول الخاصة به، كل الأمور الحياتية المختلفة والمهارات الجسدية والعقلية التى تطلب مجهودا جماً لا تحتاج منك سوى القليل من التفكير الذكى ورسم الخطط المحكمة فى سبيل الوصول إلى نتائج مرضية فى هذه المهارة الجديدة التى كنت تنوى اكتسابها، حتى العادات البسيطة التى لا تطلب منك مجهودا أو تفكيرا مطولا ومن المفترض أن تقوم بممارستها يوميا مثل: التبسم فى وجه الآخرين، التحلى بالأخلاق الكريمة، البعد عن النميمة أو الغضب السريع، التحكم فى الانفعالات السيئة والبعد عن الخلق الذميم، كلها أمورا من السهل اكتسابها وتحويلها إلى عادات يومية تقوم بممارستها دون تخطيط مسبق أو تفكير منمق،
وأظهرت دراسة "لالي" أن الشخص يستغرق ما بين 18 يوما إلى 254 يوما لاكتساب عادة جديدة أو تطوير سلوك جديد، أن اختلاف النتائج لا يغير من كون الاستمرارية العنصر الرئيسى فى التطوير الذاتى وبناء العادات المختلفة واكتسابها ولا بأس أن خالج هذه الاستمرارية من وقت لآخر بعض الاستثناءات أو عدم التنظيم فاكتساب عادة جيدة لا يخضع لقاعدة "كل شيء أو لا شيء" الأمر كله يتمثل فى قدرة الانسان على صياغة متطلباته الحياتية المختلفة ومن ثم محاولة رسم خطط واضحة والسير عليها فى سبيل تحقيق نتائج مرضية فيها؛ ويمكن أن تكون هذه المتطلبات أو العادات صحية، دينية، أخلاقية، مجتمعية أو حتى ذاتية، كالالتزام بشرب قدر كافى من الماء كل صباح أو المحافظة على ورد يومى من قراءة القرءان أو ربما المداومة على ممارسة الرياضة بشكل منتظم، أن التفكير السليم ينطوى خلفه إدراك حقيقى أن العقل البشرى قابل للتطور ولديه قدرة هائلة على تعلم المهارات المختلفة والاستمرار عليها فلا تحجبوا قدرة عقولكم على التغيير بإقناعها أنها لن تستطيع، ومهما كان حلمك وهدفك يبدو بعيدا فالخطوات القصيرة المستمرة ستقربك منه فى نهاية الأمر، ختاما: عندما سئلت أمنا عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قالت: "كان عمله ديمة" .