صباح اليوم، الساعة تقترب من التاسعة، موظفون يهرولون، بعض من طلاب المدارس المتسكعين الفارّين من مستقبل تعليمي مجهول، مشهد أراه كل يوم، اعتدته حتى تلاشت تفاصيله، سمعت صيحة كبيرة، صرخة أقرب لنداء استغاثة : " حرامي ".!
لحظة توقفت فيها عقارب الزمن، اختفت الطيبة من المكان، حلّ شر كامن بالأعماق، أقبلت وفود من كل صوب، يُهرعون، بعيونهم غضب مستطير، تموج وجوههم بسواد اللحظة : لص أثيم، يسرق أرزاقنا التي نجدها بشق الأنفس، يقتات على معايشنا على قلّتها، عبارة أطلقها شيخ مسن يفترش قارعة الطريق ببضاعته من " مناديل ورقية، أكياس بلاستيكية " فيمنع المارة من مرور آمن .
عرفت الأقدام طريقها جيداً نحو هدفها، الأيدي ترتفع بتناغم ثم تهوي و ترتطم بوقع موسيقي،، صفع و ركل، ضحية راكع على ركبتيه، يحمي رأسه بيديه، تعلو وجهه صُفرة، ملابسه رثة، تهرأت بفعل جذب و شدّ المحيطين به.
خوفه منعه أن يصرخ ألماً، فضّل أن يبحث عن ثغرة للفرار دون جدوى، زاغت عيناه بين عشرات السيقان، و الرؤوس التي التقت لتصنع خيمة سوداء تُنذر بخطر مميت يحيط به. فأسلم إليهم قدره، علم أن سقطته لا رجعة فيها، و أن قيامته قد حانت قبل موعدها بكثير .