تساقط شركائى فى العمل تحت نير الإجهاد, فرّوا لبيوتهم, تركونى قائماً, أخوض صراعاً بينى وبين راحتى, أقسمت ألاّ أعود مثلهم إلاّ بعد أن أنهى عملى كاملاً, انعكست أضواء السيارات القليلة المارة بالمنعطفات البعيدة على قطرات مياه تنحدر رقراقة من صنبور يعتلى حوضاً صغيراً يتوارى خلف باب "المكتبة" غسلت وجهى, فبدّدت برودة المياه تلك الغفوة التى توشك أن تتسلل بين جفونى.
"تعبتك معايا, متأسفة جداً".. صوت ملائكى! همس كصوت الندى,تلعثمت, وأنا أبحث عن علبة "مناديل ورقية": ليس هناك أى تعب, ذاك عملى.
غيرك لم يسهر معى لإعداد وكتابة هذا البحث السخيف, لن يفعل حتى ساعة متأخرة كهذه, ثم نظرت لساعة يدها: الساعة الآن تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل.. !
قلت: أدرى ذلك, الأمر يدعو للوقوف بجانبك, الوقت ضيق, غدا على حد علمى ينبغى أن تقدمى بحثك كاملا, كنت أحدثها, مولياً ظهرى إليها, لست أدرى عمّا كنت ابحث.
شعرت بها تحتضننى من الخلف, تحوّطنى بذراعيها, دفء اللحظة قهر لسعة البرد الحانية التى كنت أستمتع بها, تبخّر النوم, اعترانى خجل.. كعذراء أفلت من بين يديها, تلوّيت برفق, يرف قلبى بشدة, متعلّلاً: الوقت تأخر جداً, أخشى أن يرانا أحد, باب "المكتبة" زجاجى شفّاف يُظهر أكثر مما يُخفى.
بدا أنها تهيم فى واد بعيد, لم تكن معى بعقلها, علا هدير دقات قلبها, انزويت, ليس ثمة مفر, "محصور بين الحوض" والباب الزجاجى, شفاه ترتعش, ورمش كحد السيف يخترقنى.