يتصاعد خيط دخان لعود "بخور" يضفى على المكان رائحة طيبة، يتلوّى ببطء لأعلى، فيتشكّل فى صور غريبة أشكال تترك للعقل مساحة من حيرة لقراءتها وتفسيرها.
من بعيد يتهادى برفق قطار، يدخل إلى عرينه، يتثنّى مع أعمدة الدخان المتصاعدة من كل مكان، فقد خلت المحطة من ساكنيها وركّابها المغادرين حلت على المقاعد الحجرية، الكراسى الخشبية، عيدان بخور رفيعة رقيقة بنيّة اللون تشتعل، ينساب من أطرافها سحابات بيضاء ذكيّة الرائحة بزاوية كرسى وحيد تجلس عليه سيدة نحيفة شاحبة رقيقة الملامح كطفلة بجوارها حقيبة سفر متوسطة الحجم. بيدها كتيب صغير مغلق تعبث أنامل يدها الأخرى بعصبية ظاهرة بشاشة هاتف صغير تفتّش فيه عن لا شىء.
توقف القطار ثم انبعث صوت من مذياع غير مرئى ينذر بدقيقتين قبيل مغادرة رصيف المحطة حانت نظرة من السيدة لنوافذ الرابض على الرصيف كانت مضاءة فارغ من داخله منزوع من عرباته مقاعدها يضرب الهواء بشدة بين جنباتها كطفل يلهو بكرته الصغيرة باستثناء مقعد يتيم بلون أحمر داكن تغطّى حواشيه كسوّة ناصعة البياض.
أسرعت الراكبة فدلفت من الباب تخطت العربات سريعاً يعلو صدرها ويهبط ربما بتأثير خوف غامض أو من إرهاق الصعود، حقيبتها بيدها تتبّعت بعينها الفراغ الكبير حتى وصلت للمقعد الوثير ألقت نفسها عليه بدوره استقبلها الكرسى مرحبّاً فاحتواها بذراعيه ثوان معدودات انطلق القطار لرحلة مجهولة غفت الفتاة فى نوم عميق بجوارها تضطرب حقيبتها مع اهتزاز عجلات القطار.