إذا أردت أن تعرف هويتك كأحد أبناء هذا الوطن فلا بد أن تمر مساء أى يوم بأى عزاء بمسجد عمر مكرم بميدان التحرير ، وأنظر لوهلة لأنماط البشر من الرجال و النساء وملابسهم و سياراتهم، بلاش لو عاوز تتأكد أكتر حاول تروح أحد الحفلات المغلقة فى أرقى الفنادق أو المهرجانات أو أحد الملاهى الليلية أو داخل أحد اليخوت الفارهة فى أى مارينا وانظر لأنماط البشر الذين يحتفلون بملابسهم و سياراتهم ، حاول أن تسلل داخل أحد الأندية الكبرى مثل نادى الجزيرة أو المعادى ، أو حاول تتلصلص على أحد الشواطئ الخاصة بأى قرية سياحية فى الغردقة أو شرم وأفتح عينيك وقم بالتركيز على ما تراه .
أقسم بالله العظيم هؤلاء مصريين مثلك و مثلى ، أوراق هويتهم مصرية لكن الفرق هو إنك تعيش داخل دوامة و أقصى ما تتمناه أن تقوم بإدخار بعض الجنيهات من راتبك لحالات الطوارئ أو تحقيق حلم قضاء يومان فى أى مصيف مع أولادك حتى و إن كنت تصحبهم فى قطار غير آدمى لا يليق بالبشر ، أما هؤلاء البشر الذين تراهم فى تلك الأماكن الراقية ، فلا يوجد عندهم هذه الدوامة التى تعيش فيها مع ملايين غيرك ، فقد شعروا بالملل من المصايف و المشاتى فى جميع أنحاء العالم سواء أكان بطائرات أو سفن أو حتى سيارات فخمة ، والمشكلة الأساسية إنهم يبحثون عن أشياء جديدة لم يقوموا بتجربتها أبدا طوال حياتهم.
أنت تتناول فطارك من الفول و الفلافل و هم يتناولون الجبن السويسرى و الفرنسى ، أنت تستيقظ مبكراً لتبحث عن أكل عيشك ، و هم عباد الليل و فراشهم النهار من أجل ملذاتهم، حتى عندما تحلم فأجمل حلم لك هو أن تاكل لحموم و فى الغالب لو تحقق سوف تأكل من لحم الحمير الرخيص أما هم يأكلون أفضل و أطيب و أشهى أنواع اللحوم فى العالم .
أنت يتم خصم ضرائب من راتبك وتقوم بدفع فواتير من لحمك و دمك لتعيش بجوار الحائط مستور أما هم ، فيهم غارقون فى المجاملات و لا يقدر أن يحاسبهم أحد بل و ربما يتهربون من دفع الضرائب رغم أنهم من أصحاب الملايين، ربما تصاب أنت بأحد أمراض الضغط أو السكر لو فقدت مبلغ عشرة جنيهات ، أما ما فلن تفرق معهم لو خسروا ملايين فى البورصة أو على موائد القمار أو أجور ترفيه لحفلات كلها بذخ ، إنت من الممكن أن تحفظ طعامك المتبقى منك فى ثلاجتك لتستخدمه حتى ينتهى ، وهم يتخلصون من الطعام الفائض منهم إلى سلات المهملات ، أنت عندما ينجح إبنك سوف تدخر لتشترى له دراجة أو تليفون مستخدم من قبل، أما هم فعندما ينجح أبناءهم يشترون لهم سيارات فاخرة و هواتف فخمة و يهدونهم رحلات لأروبا و أمريكا للإستجمام .. إنت ترى المر عند إنتقالك فى زحمة المواصلات و المترو ، و هم لا يستخدمون إلا السيارات الفارهة فى إنتقالاتهم .
عندما تمرض تعالج فى مستشفيات غير آدمية ،وهم يعالجوا فى مستشفيات عالمية فى الخارج إنت تعيش فى شقة ضيقة مع زوجتك و أولادك ، أما هم فإنهم يعيشون فى قصور و فيلات مكيفة و بها حمامات سباحة و حولهم بودى جاردات ، إحنا عايشين فى وهم إسمه الإنتماء للوطن المقسوم ما بين فئتين ، لا يوجد عدل بينهم و لا أى تكافل ، ورغم ذلك إنت تحب وطنك و عندك إنتماء له ، إنما هما ..لأ .. لأن من الممكن أن يسرقوا الوطن ويهربوا لو شعروا بهفوة خطر ، فهل تستيطع أن تكون قادر على أن تعبر هذه الدوامة و تصل إلى بر الأمان ، أم ستبقى أسيراً فى سجن الأمل حتى النهاية.