سعادة غامرة أحاطتنى، صحوت اليوم، رائق البال، توارت همومى الكثيفة وراء ظهرى، لعل قلقاّ ساورنى فى البداية، فتلك ليست حالتى الطبيعية، لكن بعد تدبّر ومناورة مع النفس، رأيت أن أستمتع بها، أقتنص اللحظة فهى أن مرتّ لن تعود.
تصاعدت رائحة القهوة من فنجانى، استرخيت على كرسى المكتب، بادلت زملائى تحية الصباح بودّ استغربته، اقترب زميل، تفحّص وجهى، مط شفتيه قائلاً: تبدو صفحة وجهك اليوم صافية، أجزم أن متاعبك قد انزاحت إلى بعيد، سرح ببصره خارج النافذة التى تطل على شارع رئيسى، يعج بالسيارات و المارة ليل نهار، زحمة لا تُطاق، لكن اليوم حلّ هدوء و سلام.
استدار حانقاً: ماذا فعلت كى يحدث هذا التغيير، العالم يسير على وتيرة واحدة منذ أن وُعيت على الدنيا، رأيت شررا يتطاير فى المكان، لم أعره اهتماماً، فقد أقسمت لنفسى ألاّ أنساق وراء سبب يدعو للغضب ..
عقب الظهيرة، خرجت لقضاء بعض المهام، بعودتى عرجت على مكتب مجاور، صدفة ساقتنى قدماى إليها، حلقة كبيرة من زملاء العمل، يلتفّون حول آخر، يطيبّون خاطره، يهدئون من روعه، بينما انخرط هو فى بكاء ارتفع حد العويل، كان يحلف لهم برأس أبيه الراحل أن تعاسة هبطت عليه منذ الصباح، مسحة من تشاؤم أصابته لمّا رأى الميدان الكبير قد خلا من ضوضائه.
انسحبت بهدوء، تطن حول هامتى مئات من الأسئلة، خوف بدأ يتسرّب لقلبى: تُرى هل استبحت لنفسى ما ليس لى؟ هل اغتصبت حقاً لست صاحبه؟، وجدت على مكتبى كتاباً يدعونى للمثول عاجلاً للتحقيق.