هناك بوادر واضحة على وجود مخاض يبدو متعثر لعملية اكتمال تشكيل ( عالم جديد ) متعدد الأقطاب.
ورغم تزايد حدة ووتيرة الصراع بين القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل إيقاف عجلة التاريخ وسننه، بإجهاض هذا الزخم، إلا إن النظام العالمي الجديد والمتشوقين إليه، يخطون بثبات ونجاح خلال العقد الأخير، في اتجاه إتمام هذا التحول التاريخي لإعادة ترتيب العلاقات الدولية وخلق قدر معقول من التوازن في المجتمع الدولي، يسمح لقوى جديدة أوروبية وآسيوية بلعب دور أكبر ومستحق على الساحة العالمية.
في إطار محاولات مشروعة ومطلوبة لوضع أساس وتفسير أكثر عدلا ومنطقية لمفهوم العولمة، لكي لا يكون هناك قطب واحد فقط يفرض ثقافاته وأفكاره ورؤيته على بقية العالم!
وفي هذا السياق، لم يكن لدي أدنى شك في أن الشاب الألمعي الطموح إيمانويل ماكرون، سيدفع ثمن جرأته عندما طالب وسعى لجيش أوروبي موحد، على هامش إحياء ذكرى 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى في باريس منذ أسابيع!
فالإشكالية هنا ليست في عدالة مطالب حركة السترات الصفراء التي ظهرت فجأة في فرنسا وبلجيكا، احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود أو اعتراضا على مسائل تنظيمية لبعض القوانين الجديدة لبلد راسخ في تطبيق أعلى معايير وآليات الديموقراطية، ولمجتمع كوزموبوليتان متجانس ( على الأقل ظاهريا وأمام القانون)..
مع الأخذ في الاعتبار بالطبع، ما تعكسه هذه الاحتجاجات من معاناة حقيقية واضطرابات تواجه بنية النظام الرأس مالي العالمي، الواقع تحت ضغط إيجاد حلول للمطالب المتزايدة بتوفير ضمانات اجتماعية وأشكال للدعم والحماية للفئات المهمشة.
والقضية ليست أيضا نتاج خلافات حول اتفاقية المناخ ( كوب 21) في باريس 2015 وتأييد ودعم فرنسا لها، وسط اعتراضات أمريكية غير مقنعة، وانسحاب من المعاهدة للتنصل من الالتزامات المترتبة عليها، وإصرار على نسفها لأسباب لوجستية، تتعلق بالهيمنة الأمريكية المطلقة على تكنولوجيا الصناعات الثقيلة والحيوية في العالم!
ما يحدث على سطح الكوكب ليس سوى حلقة في سلسلة لصراع مرير.. ليس فقط على مصالح حيوية للقوى الكبرى، ولكنه في جوهره تدافع ومعركة تكسير عظام بين قوى تقليدية مهيمنة وتريد الاستمرار وحدها في قمرة القيادة للعالم، من جهة، و من جهة أخرى أطراف صاعدة تحاول أن تغير الواقع الذى ربما يقود إلى صدام حتمي، يخشى الكثير من العقلاء أن يكون فيه فناء لما تبقى لدى الإنسان من تواجد، سواء لمنظومة قيم معنوية أو روحية، بل ربما يقود هذا الجنون المحموم لفناء العنصر البشري ماديا، فى ظل ما تمتلكه هذه القوى المتناحرة من أسلحة كفيلة بإخفاء كوكبنا من المجموعة الشمسية!.