يترقب الفرنسيون نتائج المشاورات واللقاءات التى شرع بإجرائها رئيس الوزراء الفرنسى إدوار فيليب، وفيما إذا كانت ستفلح فى احتواء احتجاجات «السترات الصُفر» فى الاحتجاجات «الأسوأ» منذ احتجاجات عام 1968، وخاصة بعد أن استهدف محتجون «قوس النصر»، فى قلب العاصمة الفرنسية، ولحقت به أضرار جسيمة، بعد أن خرجت التظاهرات عن السيطرة، وشهدت أعمال عنف وشغب وتخريب، أسفرت عن 263 جريحاً، بينهم 133 فى باريس، و412 معتقلاً، حسب بيانات الشرطة الفرنسية.
بدأت الاحتجاجات عفوية تعبيراً عن «غضب شعبي» من زيادة أسعار الوقود، لكنها وعلى رغم افتقادها للقيادة السياسية الواضحة، فقد كشفت مع تواصلها للأسبوع الثالث على التوالى واتساع نطاقها وحدتها، عن أنّها «تتجاوز مجرد رفض قرار حكومي»، وأنّ «الشارع الفرنسى يعيش حالة احتقان شديدة بسبب سياسات الرئيس ماكرون الاقتصادية»، الـ«بعيدة تماماً عن مشاغل وهموم عامة الفرنسيين، لا سيما الطبقات الوسطى والفقيرة منهم»، كما يعتبرها كثير من الفرنسيين.
ويحظى المحتجون بتأييد يُعتبر سابقة لدى الرأى العام (نحو 70 %)، وبنجاح عريضة لـ «خفض أسعار المحروقات» وقّعها أكثر من مليون شخص، وحصلت حركتهم أخيراً على دعم اتحاد القوة العمالية للنقل، مع التنبيه إلى أن الحركة الاحتجاجية لم تعد محصورة فى رسوم المحروقات، بل تحولت إلى «سلة مطالب» منها خفض الضرائب، ورفع الرواتب الدنيا، وزيادة المعاشات التقاعدية.
كما أن الاحتجاجات لم تقتصر أصلاً على العاصمة وحدها، بل شملت معظم المناطق الفرنسية، حيث شهدت مدن فى بوردو وتولوز وتارب وأوش، وفى مناطق أخرى جنوب غربى فرنسا، صدامات بين المحتجين ورجال الأمن.
مواقف القوى والأحزاب السياسية
وتميّزت ظاهرة «السترات الصفراء» بغياب للقيادة الواضحة وعدم وقوف أحزاب أو نقابات كبيرة وراءها، لكنها حظيت فى الوقت نفسه بدعم واضح من أحزاب يمينية ويسارية، وقد تركّزت أبرز مقترحات المعارضة، فى الدعوة إلى تراجع الحكومة عن قرار زيادة ضرائب الوقود، المتوقع دخوله حيز التنفيذ فى بداية الشهر المقبل.
والتقى زعيم «فرنسا المتمردة»، جان لوك ميلانشون، مع زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية مارين لوبان، فى الموقف من التعاطى الفرنسى الرسمى مع الاحتجاجات، واتفقا على الدعوة إلى استقالة ماكرون وحلّ البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، واعتبر ميلونشون أنه «بين تعنّت الحكومة الفرنسية وإصرار أصحاب السترات الصفراء، هناك طريقة واحدة لحسم هذا الجدل هو الانتخابات».
ودعا رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الحكومة الى تقديم «ردّ سياسي» على الأزمة، فيما طالب رئيس حزب «الجمهوريين» (اليمين الديغولي)، لوران فوكييه، باستفتاء حول السياسية البيئية والضريبية لماكرون.
أما زعيم الحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، فقد طالب بتشكيل لجان وطنية بشأن القدرة الشرائية، فيما طلب السياسى بونوا أمون إطلاق حوار وطنى مع «السترات الصفراء» والنقابات والمنظمات غير الحكومية حول القدرة الشرائية وتوزيع الثروات وعملية الانتقال البيئية.
فيما دعا فرانسوا آسيلينو، رئيس الاتحاد الشعبى الجمهوري، إلى إجراء غير مسبوق، تنصّ عليه المادة 68 من الدستور الفرنسي، ويقضى بـ«عزل الرئيس من قبل البرلمان».