يقترب الليل من منتصفه، البرد يشتد، يخلو الشارع من المارة، إلاّ بضعة نفر يحتمون بمقاعدهم بمقهى يلتصق بسور " ملجأ الأيتام" بالجهة الأخرى تنتشر بضعة كراسى على جانبى كوبرى " باغوص "، معظمها منزوع منها ظهورها الخشبية.
المشى بليل الشتاء، متعة لا يعيها إلاّ من يكره الصيف و لهيبه، أوشك مشوارى على نهايته، حين دق هاتفى، أخرجته بيد و الأخرى تتشبث بدفء فى جيب سُترتى، فجلست على أقرب كرسى خشبى، صوت المعلّق الرياضى عالياً، يصيح، يهلّل، يقض مضجع الهوام فى أوكارها، يعلو على نفير السيارات المارة .
تاه صوت مُحدّثى بين نسمات البرودة المتلاحقة، المباراة حامية الوطيس، ثم أقبل شبح، تسمّر أمامى، ترتسم على وجهه بسمة غامضة، أفسحت له مكان بجوارى رغم أن الكرسى فارغ معظمه، لكن ظل جامداً كوثن يرنو لعابديه من أعلى، أجفلت منه، انطفأ الهاتف ,سكته مفاجئة أصابت " بطاريته " فخمدت ومضاته، قُطعت المكالمة، قمت للوافد، تملأ عينى تساؤلات كثيرة، بادرنى باستحياء: ممكن أقعد جوارك ؟
لحظة تجمّد فيها الدم بعروقى، زأر المذيع معلنا هدفاً غالياً، احتسبه الحكم تسلّلاّ .