العرب البائدة وصف ينطبق على الأقوام التى كفرت بأنعم الله وهى التى سبقت رسالة الإسلام مثل قوم ( عاد وقوم ثمود ) حيث عاقبهم الله بكفرهم بعدما أرسل لهم الرسل لهدايتهم، لكنهم كفروا وتكبروا فى الأرض وعاندوا وعاثوا فيها فساداً، فما كان من الله إلا أن عجل لهم حسابهم فى الدنيا فأبادهم عن آخرهم بعد أن أخرج منهم عباده من الصالحين الذين أتبعوا هدى رسله.
ثم يرسل الله ( عز وجل ) رسوله من العرب أولائك المهمشين بين الأكاسرة والقياصرة، لكنهم كانوا أيضاً على ضلالة حيث يعبدون الأصنام فى معظم جزيرة العرب فآتاهم رسول من أنفسهم حريص عليهم فكذبوه وآذوه وقاتلوه حتى أتم الله نوره وأظهر دينه عليهم، ودخلوا فى دين الله أفواجا لتتغير سلوكياتهم إلى النقيض ويبدأوا فى بناء حضارة فاقت نظيراتها ومازال العالم يستفيد منها حتى يومنا هذا.
تركهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فانقلب بعضهم مع أول خلاف وقع بعد موت رسول الله بل وارتد منهم الكثير، ولولا أن الله عز وجل قد حفظ هذا الدين بحفظه وهيأ له من أهله مثل صحابة رسول الله رضوان الله عليهم جميعاً لاسيما صاحب الموقف الصلب الخليفة الراشد ( أبو بكر الصديق ) رضوان الله عليه الذى حارب أهل الردة و الفتن ومدعى النبوة حتى أعاد الأمور إلى نصابها، ثم تفتح عليهم الدنيا من مشرقها إلى مغربها وتدب الفتن وينشط أعداء الأمة فى تحويلها من الوحدة والجسد الواحد إلى التهافت على الدنيا والسلطان، وعلى مر القرون تجد لها من ينهض بها، ثم ما تلبث أن تلاحقها المكائد والدسائس والفرقة التى يريدها عدوهم، فكانت بداية فى الأندلس عندما تشرذموا وتحولوا لدويلات يستعين بعضهم على بعض بأعدائهم حتى ضعفوا واستكانوا وأصبحوا لقمة سائغة لعدوهم فتم نفيهم من الأندلس بالموت والإبادة والتهجير وحولوا قصورهم إلى حانات ومساجدهم إلى مزارات فخرجوا من ملكهم يبكون كالنساء على وطن لم يحافظوا عليه كالرجال
ثم يمن الله على العرب بالخير الوفير مما تخرج الأرض من باطنها ليعوض صبرهم ويرفع شأنهم بين الأمم فى وقت جمع الله لهم الخير من كل مكان فحظاهم بموقع جغرافى فريد جعلهم يتوسطون العالم وعدد لهم أقاليمهم ومناخهم ليبين لهم بطريقة عملية أن هذا التوافق اللغوى والدينى والجغرافى والبشرى لو تم توحيده لكان قوة كبرى تخشاها جميع الأمم، فانكب أكثرهم على البحث عن الرفاهية من وجهة نظره وعادوا للعبة الكراسى والبحث عن الملك وكأن كل ما مر عليهم من تاريخ كان لهواً وهراءً، فلم يلتفتوا للوحدة والتكامل إلا بالخطب الجوفاء والكلمات الرنانة.
إذاً ليس أمام العرب سوى الوحدة وجمع الشمل وتوحيد الصف فإن هم فطنوا لذلك تجنبوا أن يُبادوا كما باد من قبلهم والفارق بينهم أن الله عز وجل قد أباد الأقوام السابقة قبل الإسلام بكفرهم، أما هؤلاء سيبادوا بعدم اتباعهم نهج ربهم وسنة نبيهم حيث قال ربهم فيهم "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، وقال فيهم "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وقول رسولنا الكريم "إنما أخاف عليكم الدنيا"، فهل يصحو العرب من غفلتهم أم أنهم ينتظروا مصير الأندلس الذى يشابه عقاب من كان قبلهم.