قال مصطفى محمود وهو أحد أنظف العقول التى خلقها الله فى هذا الكون؛ كلاما ما معناه؛ أن شكوى الشاكى ليست بالضرورة نابعة من نقص مادى أو حاجة حقيقية، وإنما يشكو لأنه ينظر لما عند غيره.
لاحظت أن مفرطى الشكوى من الذين أعرفهم، الذين يدعون الفقر والعلة وسوء الحظ، ولا يكفون عن الاستياء والتبرم؛ هم بكل إنصاف وحيادية؛ أفضل حالا بكثير من الذين أعرفهم ولا أسمع منهم تعبيرا عن الضيق الدائم والمعاناة اللامنتهية، لا أسمع منهم عبارات الضيق ليس ليسر حالهم وحسن حظهم وانفتاح أبواب السماء والأرض فى وجوههم، لكن لأنهم راضون، لا يجدون فى الشكوى نفعا ولا حلا لأزمة، لا يسعون إلى جنى الشفقة من أى مخلوق كان.
فالعجب العجب ما نراه من الذين يلطمون صدورهم ويندبون حظوظهم لخسارة جنيهات أو حتى مشروع واحد من أصل عشرة، أو لإصابة ابن بنزلة برد، أو لكسر فى (كعب الحذاء)، فقط لجلب التعاطف والمواساة المتكلفة، وأحيانا للتسلية وأحيانا لدرء الحسد.
بينما ترى العجب أيضا من أصحاب الفقر والمرض؛ الذين يتناولون وجبتين فى اليوم ولديهم فى نفس الأسرة اثنين وثلاثة من مرضى الكبد والسرطان، ولا يعلم عن حالهم أحد إلا الله.
لا حظ معى أن المدعى الأول لا يستمتع ولا يهنأ بشىء قط، فهو منشغل دائما بأى قصة سأسرد وأى فيلم سأمثل ومتى وكيف أتسلى، ولا يجد الفرصة ولا الطاقة أو الوقت للاستمتاع بنعم الله التى تغرقه.
بينما الراضى الآخر وبالرغم من ظروفه المؤسفة إلا أنه لا ينشغل بها كل الوقت لأنها بالفعل تؤلمه، وبالطبع سيحاول تجنب سيطرتها عليه، أو استيلائها على فرحته، شبابه ووقته، بتخفيف هذا الألم، فيخلق لنفسه الوقت والفرصة ليستمتع ولو بالقليل الذى عنده.
فتصبح النتيجة فى النهاية، شخص مدع حزين، وشخص راض سعيد، السعيد سعيد بوجبتيه وأمراض أسرته وضيق حاله عليه، والحزين يبكى ويندب، حتى وإن وصل أعلى المناصب وحصد كل المحاصيل وجمع كل الأموال، لأن الإنسان فى الغالب (لا يملأ عينه إلا التراب).