مقولة شهيرة قد يستدعيها العقل البشرى عندما يحدث له موقف لا يستطيع التعبير عن اللامبالاة التى يتم التعامل معه بها أو مع من حوله إلا أن يضرب كفاً على كفٍّ ويردد تلك المقولة (البرود له ناسه) التى ربما بمقدورها أن تخفف من وطأة ما يتعرض له من معاملة غير لائقة تتسم بالبرود.
كثيرا ما نصادف هذا البرود فى مستشفياتنا الحكومية فربما يصاب فرد ما بحادث فيقطع المريض ومعه أهله عشرات الكيلو مترات من أجل الوصول إلى المستشفى التى يعتقد أنه بوصوله إليها قد وصل إلى بر الأمان، وعندئذ يتفاجأ بأن الطبيب ترك غرفة الاستقبال وذهب إلى كافتيريا المستشفى ليستمع فيها لمباراة كرة قدم يشجع خلالها أحد الأندية التى يصاب معظم مشجعيها بالاكتئاب عقب كل مباراة بسبب هزائمه المتكررة –مش هينفع أقول اسم النادى احتراما لمشجعيه- ، وفى كل مرة يعود الطبيب بعدها إلى عمله غاضباً، وإذا تم استدعاؤه قبل انتهاء تلك المباراة يعود إلى عمله غاضبا أيضا لأنه لم يتمكن من إكمال المباراة حتى النهاية، ثم يعود فيرى مريضا التف أهله حوله فيجلس على كرسيه أولاً وبعدها يردد بصوتٍ جهورى من ماذا يشتكى هذا المريض؟ على الرغم من رؤيته المريض مصاباً بجروحٍ بالغة، ويسيل الدماء من كل أطرافه رأسه ويديه وقدميه، وربما يفارق هذا المريض الحياة إذا لم يتم إسعافه على الفور إلا أن الطبيب يتعامل معه بكل برود، مع العلم أن نفس الطبيب إذا تعرض لموقف مشابه فى المستشفى الخاص الأخرى التى يعمل بها إلى جانب عمله فى المستشفى الحكومى يكون رد فعله مغاير تماماً. ببساطة شديدة هو هناك بالطبع لا يستطيع مجرد التفكير فى شرب كوب واحد من الشاى أثناء عمله ناهيك عن خروجه لكافتيريا المستشفى، فهو يعلم أنه إذا أقدم على ذلك الفعل ربما يجلسه مديره على الـ kazık وهى كلمة تركية تعنى "عمود أو وتد" يُثبَّت فى مكانٍ ما ثم يُستخدم بعد ذلك بالكيفية التى تعرفونها. وهذا الطبيب أقل ما يوصف به هو "البرود ذاته".
ومن المواقف التى تجد فيها بروداً ما يحدث من بعض المارة عندما يشاهدون امرأة تتعرض للضرب أو التحرش فى الشارع فيكتفى المارة بالمشاهدة متناسين أن زوجاتهم وبناتهم قد يتعرضون لموقف مشابه وحينئذ لن يغيثهم أحد. وعندما ترى السيدة المعتدى عليها رد الفعل هذا لا يسعها إلا أن تصف هؤلاء المارة بالبرود، فهم يستحقون بجدارة أن يطلق عليهم لفظ "البرود له ناسه" بل يستحقون وصفاً أشد من ذلك.
ومن المواقف الجديرة بهذا الوصف أيضا برود الزوجة فى استجابتها لزوجها فيما يأمرها به من معروف حيث يتفق معها على شئ وتظهر رضاها عما يقوله، فإذا ما تراجعت عن تنفيذ ما اتفقت معه عليه وعاتبها زوجها، استنكرت معاتبته لها قائلة بكل برود: وايه يعنى لو أنا ما عملتش اللى اتفقنا عليه؟! حينئذ يضرب الزوج كفاً على كفِّ ويقول بينه وبين نفسه: صدق من قال: (البرود له ناسه) وربما ينطق بها جهراً إذا كان الأمر متكرراً وفاض به الكيل بشرط أن يكون لديه قدراً ولو قليلاً من الشجاعة.
ومن المواقف التى تحتوى على ردود فعل باردة مصحوبة بقليل من العذر لقلة الخبرة وصغر السن والتأثر بالوسائل الالكترونية الحديثة برود الأبناء فى استماعهم لنصائح آبائهم وأمهاتهم وأصحاب الخبرة من أهلهم. فعلى الرغم من تمتع الآباء والأمهات بخبرة كبيرة فى الحياة تمكنهم من معرفة ما لا يعرفه الأبناء الصغار، غير أن الأبناء لا يلتفتون لأى من تلك النصائح التى ربما يندمون على عدم استماعهم لها بعد ذلك.