هى تماماً كالأم الحنون تُبادلنا حباً بحب أكبر وأعظم، تجذِبنا إليها، وإن ابتعدنا عنها لبعض الوقت يسرى في أجسادنا شوق وحنين إلى أحضانها الدافئة وقد ينتاب بعض أبنائها أحياناً شعور بعدم الرضا لعدم قدرة الأم على تلبية كل احتياجات جميع أبنائها لكنهم لايساورهم أدنى شك في حب أمهم وتكريس حياتها كلها من أجلهم مهما كان عددهم وأملها ـ بإمكانياتها المتاحة ـ أن تراهم الأحسن والأفضل دائماً ، هى حكاية وطن من نوع نادر اسمه مصر وعشق خاص بينها وبين أبنائها لاتجده في أى مكان آخر في العالم .
ولاشك أن هذا الحب وهذا الانتماء الفريد يكتمل إذا تجمّل وتحوّل إلى سلوك فعلى يحافظ على مُقدّرات الوطن بل وأخلاقه وتحضره ويضمن له مستقبلاً زاهراً وأنا لا أتحدث هنا عن التضحية والفداء من أجل الوطن فهذا أمر متأصل فينا نحن المصريين عبر التاريخ ولكن عن سلوكيات بسيطة ما أحوجنا إليها
وأول مانحتاج إلى حُسن وترشيد استخدامه هو الماء ، فلقد وهبنا الله عز وجل النيل العظيم الذى هو عنوان حضارتنا عبر التاريخ وشريان حياتنا ومستقبلنا على أرض هذا الوطن ، وربما يتبادر إلى ذهن البعض ـ عند الحديث عن المياه ـ موضوع سد النهضة وأنه السبب في أى مشكلات مائية قد تعانى منها مصر ، والحقيقة أن تأجيل العمل في بناء هذا السد أو حتى عدم إنشائه أصلاً لن يغير الكثير في المعادلة فحصة مصر من مياه النيل تقدر ب55ونصف مليار متر مكعب سنوياً وهى حصة ثابتة منذ توقيع هذه الاتفاقية قبل عقود في الوقت الذى وصل فيه السكان في مصر إلى نحو 100مليون نسمة يستخدمون نفس الكمية التى كانت تستخدمها مصر وقت أن كان عدد سكانها نحو 20مليون نسمة فقط وهذ يجعلنا بحاجة ماسة إلى ثقافة ترشيد استهلاك مياه الشرب والرى للحفاظ على كل قطرة مياه ويدخل ضمن ذلك الحفاظ على نهر النيل والترع والمصارف من التلوث والتعديات ، وإذا كان المواطن في دول الخليج ذات الندرة المائية يفرح كثيراً بهطول الأمطار وسريان الماء في جداول صغيرة فأولى بنا أن ننظر إلى النيل وندرك كم هو نعمة عظيمة تحتاج منا إلى الحفاظ عليها
وبقدر حاجتنا الشديدة إلى ترشيد استهلاك المياه فنحن بحاجة أيضاً إلى ترشيد استهلاك الكهرباء باستخدام اللمبات الموفرة للطاقة وإغلاق الأجهزة الكهربائية عند عدم الحاجة إليها وغيرها من طرق ترشيد استهلاك الكهرباء ، والشكوى من ارتفاع الفواتير ليست مدعاة ولامبرراً للإسراف واللامبالاة في استخدام الكهرباء ومع أن مصر استطاعت في السنوات الأربعة الماضية تحقيق انجازات هائلة في بناء محطات للطاقة قضت تماماً على مشكلة انقطاع التيار الكهربائى لكن يبقى ترشيد استخدام الطاقة عنواناً للتحضر والرُقى في كل الدول حتى تلك التى بها وفرة في الكهرباء
أمر آخر على نفس الدرجة من الأهمية ويحتاج منا إلى وقفة وهو المرور والالتزام بقواعد ففيه حياتنا وسلامتنا ، ونلوم كثيراً على بعض سائقى السيارات وخاصةً الميكروباص عدم الالتزام بقواعد المرور بل والاستهتار أثناء القيادة والانشغال بالحديث عبر الموبايل والسرعة الجنونية ، ومع أن الطرق قد شهدت طفرة في جودتها وسلامتها لكن تبقى نسبة الحوادث مرتفعة بسبب سلوكيات خطرة ومتهورة ، كما لايخفى علينا استخدام أبواق السيارات بطريقة تثير الأعصاب خاصة في المدن التى بها مايكفيها من الضجيج والضوضاء كما أن انتشار اصوات الكاسيت العالية في السيارات والتوك توك كلها سلوكيات مرفوضة نحتاج سريعا إلى تغييرها
وإذا انتقلنا إلى نظافة شوارعنا نجدها هى الأخرى بحاجة إلى وقفة ، فالتخلص من القمامة في المنزل أو المحل التجارى والقاؤها فى الشارع هو سلوك مرفوض نراه في شوارعنا كل يوم ولا تحتاج منا نظافة شوارعنا إلى مجهود يُذكر سوى إلقاء القمامة في الأماكن المخصصة لها حفاظاً على صحتنا وعلى نظافة شوارعنا
ومن المؤكد أن ماتطرقت إليه من دعوة للترشيد أوتغيير بعض السلوكيات المرفوضة قد تم تنظيم حملات كثيرة بشأنها من قبل لكننا نحتاج فعلاً إلى وقفة حقيقية نراجع فيها العديد من سلوكيات خاطئة تتكرر كل يوم ,إن لم يكن ذلك من أجل منفعة شخصية فمن أجل وطن عزيز على قلوبنا جميعا ، فحب الوطن ليس شعارات للهتاف بل سلوك ينم عن حب وانتماء وولاء لوطننا الغالى رغبةً في الارتقاء والنهوض به ، والوطن مرآة نرى فيها أنفسنا ويرانا فيها غيرنا وبقدر سلوكنا خوفاً وحباً لهذا الوطن بقدر ماتكون صورتنا وصورة وطننا مضيئة تبعث على الفخر والاعتزاز بوطننا مصر الحبيبة