استطاعت الست نحمده "سائقة الميكروباص" أن تضرب لنا مثلا رائعا فى تحدى ظروف المعيشة و متاعب الحياة ،وأن تفتح لنا أبواب الأمل من جديد من خلال جملة "كنت بتمناها "التى أطلقتها فى سعادة عارمة حال ملاقاتها بالرئيس، فقد أفضت ما بداخلها دون ترتيب مسبق ، وطلبت ما كانت تحلم به فى عبارات تلقائية خالية من التكلف والتصنع، ومنها "عايزة واسطة "، فالبساطة كانت عنوان اللقاء، ظلت السيدة فى سيارتها وعندما بادرت بالسؤال "أنزل لحضرتك ؟!"أشار لها الرئيس بالنفى، تقديرا لكونها امرأة، وتوجه نحوها ليحدثها مشيدا بدورها العظيم باعتبارها امرأة مكافحة تبحث عن لقمة عيشها بينما هى فكانت تسترسل فى حديثها فى سلاسة وانسابية إلى أن أفرغت ما فى جعبتها ، وجاء الرد على كلامها بالوعد بتنفيذ طلبها وأثنى عليها قائلا "ست بـ100 راجل ".
المرأة الحديدية لها قوالب متعددة وأنماط مختلفة منها:طالبة العلم المغتربة، ربة المنزل، المرأة العاملة، المرأة المطلقة، المرأة المعيلة، الغارمات، وغيرها من الأشكال التى لا تعد ولا تحصى ،ففى كل بيت مصرى ظروف اقتصادية جعلت سيدته تخلع ثوب الأنوثة لتواجه أهوال الحياة بوجه يتسم بالجمود وروح أشبه بروح الفرسان ، وما أن قررت أن تخطو خطوة خارج بيتها حتى دربت نفسها كثيرا على أن تضرب الأرض بقوة مما يترتب عليه وقع خطوات أكثر ثبات وثقة بالنفس، وكأنها حوافر حصان جامح ،لا يأبه العادات والتقاليد، ولا يرضخ للأعراف،إنما تحارب لتغيير المفاهيم العقيمة ،فليس شرطا أن تكون المرأة ذات مكانة علمية عظيمة أو ذو منصب رفيع لتصحح الأفكار الخاطئة، إنما قد تغيرها بأفعالها من خلال انخراطها فى سوق العمل و امتهانها مهن شاقة كقيادة سيارة أو غيرها من الأعمال الحرفية مثل النجارة.
المرأة المصرية تختلف عن بقية النساء لا تستسلم لضيق الحال أو لغلاء الأسعار، إنما تدرك أنها فى مرحلة تتطلب منها المشاركة والمساندة، تعى جيداً أنها تاركة خلفها أسرة بها طفلين على الأقل، لابد أن توفر لها أبسط صور المعيشة من مأكل و ملبس ومسكن، وعليها أن تتخطى الحواجز وتزيل العقبات للحصول على المال الذى يلبى لها تلك الاحتياجات.
يقال أن كل إنسان يحمل نصيبا من اسمه،ويبدو أن "الست نحمده" لم تكن تحمل جزءاً منه فجسب ولكنها كانت تحمله كله ،أكاد أجزم أن لسانها كان و مازال يبتهل بالحمد ليل نهار، لأن قسمات وجهها كانت تحمل الرضا وتعابيرتها تنم عن التصالح مع الحياة، وملامحها زاهدة فى كل متع الحياة، تقود دون ضجر و ترافق طريقها دون كلل أو ملل .
لا أستطيع أن أحصر كل أسماء الأمهات لكى أعرف النصيب الذى حملوهن منه،ولكن أستطيع أن أعرف من تجاعيدها أنها لاقت سنين من التعب تعادل خصلات شعرها الأبيض، فكل واحدة من أمهاتنا لديها حكاية من الصبر والجلد تحتاج أن تٌخلد لنتعلم منها ونستفيد من خبراتها، فيجب علينا جميعا أن نرفع القبعة لكل سيدة موجودة بالشارع المصرى ،أما عن الأمهات المصريات فلو انحنينا لتقبيل أقدامهن فلن نفى حقهن أو نرد جميلهن .