لا يخفى على أحد أن هناك خلافا فكريا شديدا بين مؤيدى العقل وبين المتمسكين بالنص الشرعي؛ وهو ما يعيق الاتفاق والاجتماع على الكلمة السواء فى مجال تجديد الخطاب الديني؛ ولنأخذ مثالًا لذلك وهو حديث الذبابة والمروى فى الصحاح، فقد انقسم كثير من المفكرين نحو هذا الحديث إلى قسمين، قسم آمن به لكونه وارد بسند صحيح، وقسم آخر أنكره وأنكر صحته وأصله.
وهنا إشكالية لجمع الطرفين والخروج من الخلاف، ولى وجهة نظر تعمل على الجمع بين النص والعقل وأرى أنهاجديدة وقوية وحاسمة، وهى أن نجمع بين النص والعقل ونقول مثلًا المقصود بالذباب ليس مقصورًا على الذباب الأسود المنتشر فى عصرنا الحاضر، بل قد يشمل النحل والفراشات الجميلة مما لا تأنف منها النفس البشرية!!، ولعل البعض يستغرب ذلك، ولكنى لا أرى مجالًا لهذا الاستغراب لأن الذباب هوأى حشرات طائرة لها أهداب، ولا يوجد تخصيصها بنوع معين كالذباب الأسود المقزز المنتشر بيننا فى العصر الحاضر، بل هناك أدلة قوية تؤيد أنه يمكن أن يكون أنواع أخرى من الذباب غير الأسود كالنحل ومنها أن النحل فيه مكان يُخرج شفاء وهو العسل، وفيه مكان يُخرج سم وهو اللسع، وهو أمر غير معروف ولا مُجرب فى الذباب الأسود.
وكذلكالعرب وأهل اللغة يسمون النحل ذبابة ومنها ما أورده ابن الأثير فى كتابه النهاية عن الخليفة عُمَر بن الخطاب أنه «كتَب إِلَى عَامِله بالطَّائف فِى خَلاَيا العَسَلِ وحِمايَتها: أن أدَّى مَا كَانَ يُؤَدّيه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ عُشُور نَحْله فاحْمِ لهُ، فإنَّما هُوَ ذُبَابٌ غَيثٍ يأكُلُه مَنْ شاءَ»
وقال ابن منظور فى لسان العرب: " يريدُ بالذُّبابِ النَّحْلَ "
وقال الإمام قاسم السرقسطى فى كتابه الدلائل فى غريب الحديث: " وَيُرْوَى فِى الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الذُّبَابُ كُلُّهُ فِى النَّارِ إِلَّا ذُبَابَةَ الْعَسَلِ»".
فضلًا عن عدم وجود شواهد على انتشار الذباب الأسود أيام النبي، ولم يحصر أحد من العلماء القدامى الذباب فى الأسود وبذلك نكون قد خرجنا من الصدام العقلى فى هذا الأمر وفتحتا سبيلًا للتجديد المنضبط.