صوت فيروز العذب وهو يشدو بكلمات راجعين ياهوا راجعين، يبعث فى النفس الحنين لبعض تفاصيل الماضى ؛ للموطن الأصلى، لمكان بعينه تشتاق إليه نفوسنا وتحن إليه كالقرية التى نشأنا بها، و المسكن الأول والشارع الأول و المدرسة الأولى ورحلات المدرسة .
ولايقتصر الحنين للأماكن؛ بل للأشخاص الذين كان لهم أثر واضح فى هيكلة وتشكيل أفكارنا ومن ثم رسم طموحات وتطلعات مستقبلية كالمُدرس الأول والمُدرسة الأولى وأول جائزة وأول شهادة وأول تكريم.
ويحدث أحياناً الحنين للروائح، فكل شخص لديه روائح مميزة تذكره بأماكن وأشخاص بعينهم ؛ كرائحة عطر الأب القديم، و رائحة بعض الطعام الذى كانت تعده الأم أو الجدة ، كذلك والأكلة المفضلة عند الأسرة ؛ حيث كانت تجمع شملهم وهم صغار قبل أن تأخذهم مسئوليات ومشاغل الحياة .
والحنين كذلك للأصوات؛ صوت الشيخ محمد رفعت فى الصباح وقت الاستعداد للمدرسة وقبل الإفطار فى رمضان، صوت أغنية مفضلة أو موسيقى مفضلة، صوت المسحراتى، ضحكة مميزة.
والحنين للماضى على أى حال جزء أصيل فى نفوس البشر المتشوقين لبداياتهم، لبداية قصص الكفاح التى عاشوها، لبداية الشجر قبل أن يأتى الثمر، فالبدايات تخبر بمستوى ما وصلوا إليه من تغيير ومن نجاح حقيقى، ومن رغبة فى تحقيق المزيد، وأحياناً يجدد الفرد ما يريد تحقيقه وهى كلها تمنح الشعور بالرضا وأن سنة الله فى كونه هى تكامل البشر، وتحقق فكرة التكامل من رغبة كل منا للسعى نحو الكمال من خلال تواصلنا مع الآخرين، راية تسلم راية .
شعور بأن من سيأتى بعدنا سيكون له الحنين لنفس الأشياء التى نحياها ونعيشها بينهم الآن، شعور يلقى بالمسئولية أن نحاول أن يكون الحنين لنا بأشياء تبعث فيهم الأمل فى الأوقات الصعبة بكلمات تقيل عثرات الطريق، ومن يدرى فكم من قصص رائعة نسجتها كلمات السابقين فتمثلوها نماذج وقدوة جعلتهم يشعرون بأنهم لم يفقدوا الأمل يوماً .
من منا ينسى كلمات والده وهو صغير يحثه على النجاح وحب العمل وفى نفسه رغبة شديدة أن يصبح ابنه أفضل منه، من منا ينسى عبارات التشجيع من الجد أو الجدة أو أستاذه أو أستاذته ؛ كلها تفاصيل بسيطة لكنها تركت أعظم الأثر فى نفوسنا .
الاستفادة من كل ما سبق أن نذكر أبناءنا وأحفادنا بما ترك لنا السابقون حتى ولو كان بسيطاً، كى لا نفقد حلقة الوصل بالماضى وتصبح "النوستالجيا " مقتصرة على حالة من الحنين المؤقت لبعض الذكريات ؛ بل تتعدى ذلك الأمر لتصبح استرجاع للتفاصيل الإيجابية التى أهدرتها التكنولوجيا الحديثة فسرقت الوقت دون أن ندرى وجعلتنا نفقد الصلة حتى بما تركه الآباء لنا من وقت قريب .