علم التصوف الإسلامي, ذلك العلم الذي افتري عليه وامتهن لفظه بشبه مخالفيه, فلم يألووا جهدا في الإفتراء عليه, و تشويه صورته وتبديع أهله وسالكيه, فما زالت تتوالي عليه الإدعاءات والشبهات, ولا زال هو ناصع الجبين, يجعل الله له من يدافع عنه, وينفض عن معالمه الغبار, ويرد شبه المخالفين, وإدعاءات المبطلين .
وأول ما يقابلنا في هذه الشبهات, هو أن التصوف من ألفه ليائه مبتدع مبتكر, ليس له سند وليس له وجود في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم), ولم يوجد عند الصحابة الكرام والتابعين وتابعيهم, وأقول ردا على هذه الشبهة, مستعينا بالله : إن التصوف الإسلامي علم كامل متكامل, له قواعده وأصوله, ومسائله الكلية وأدلتها التفصيلية .
وكغيره من العلوم الشرعية, مثل الفقه والأصول والحديث, كان متواجدا بمضمونه ومعناه دون مسماه, الذي اصطلحت عليه الأمة والمتداول بيننا الآن, حيث كان راسخا في قلوب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم, بما تلقوه من المعلم الأعظم للبشرية, سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم), وحفظوه وفهموه وعملوا به .
فالتصوف هو العلم الوحيد, الذي يعني بعلاج أمراض القلوب, كالكبر والحسد والغضب, وهو العلم الذي يعني يحث العباد, على المحبة الصادقة لله ورسوله, وإبداء الرحمة الكاملة لكل خلق الله, هو العلم الذي يعني بتزكية الأنفس لقول الله -تعالى- (قد أفلح من زكاها), هو العلم الذي يدعوا إلى أعلى مقامات العبادة, وهو مقام الإحسان .
وهناك الكثير من عباد الله, الذين نسبوا أنفسهم لهذا العلم الشريف, وهم ليسوا منه في شئ, حيث دعوا إلى الخرافات وإلى الزيغ والضلال, فحرفوا في معنى التصوف الرشيد وهو منهم بريئ, وحجة عليهم أمام الله يوم يعرضون عليه, فقد ترتب على جهالاتهم ومخالفتهم, سوء ظن وسوء اعتقاد, فصار الناس لا يفرقون, بين التصوف والدجل .
ولذلك فلا يقول قائل, أن التصوف لا أصل له ولا سند له, بل له أصل وسند وكان قائما بذاته, بتعالميه وأنوار هدايته, ومشاعل الأخلاق السمحة والقيم والمثل الإنسانية التي دعا إليها, فالتصوف ليس مذهبا وليس اعتقاد, بل هو علم لعلاج أمراض القلوب ,وتزكية الأنفس, وتحقيق مقام الإحسان, الذي هو أرقى درجات العبادة, ولنا تكملة .