‎ د. ريمون ميشيل يكتب: كنوز أخلاقية من حياة المسيح "الجزء الثالث"

من أجمل ما قد يتحلى به الإنسان من صفات هو لُطفه فى التعامل مع الآخرين، ويأتى أصل كلمة لطف فى اللغة بمعنى رقة ولباقة ولين الكلام والتصَرُف حتى وإن كان توبيخاً فيوجه خالياً من قسوة الألفاظ والتعبيرات الجارحة وجهامة تعبيرات الوجه والتى قد تُغلِق القلوب وتَسد أذان المستمعين عن الاستجابة أو الخضوع، وبصفة عامة تُعتبر أكثر الصفات التى تجذب مشاعر الآخرين ومحبتهم التواضع ومن ثم اللطف ولباقة التعامل معهم. وقد كان السيد المسيح يُدرِب تلاميذه أولاً قبل أن يرسلهم لنشر تعاليمه، ويُخبرنا القديس متى الرسول فى الإصحاح العاشر عن أربعة دروس أخلاقيه قد أوصى بها السيد المسيح التلاميذ أولاً، وكانت تلك الوصايا أن يكونوا لطفاء، يتمتعون بالحكمة، البساطة، ويتحلوا بالشجاعة وعدم الخوف، فعلمهم أولاً عن فضيلة اللطف ولباقة التصرف قائلاً لهم: متى دخلتم بيت ولم يقبلكم ولا يستمع لكلامكم وإن لم تروا امتنان منهم فأخرجوا من ذلك البيت أو من تلك المدينة، وهنا قد حث تلاميذه على ضرورة اللطف فى التعامل مع الآخرين حتى مع من يخالفهم الفكر والعقيدة. يروى لنا القديس مرقس الرسول أيضاً فى الإصحاح السادس، أنه بينما كان السيد المسيح يُعَلم الجموع فى الناصره وهى موطنه الذى تربى فيه إلى سن الثلاثين والذى يقع فى منطقة الجليل، قاموا بالاستهزاء بتعاليمه قائلين أليسَ هذا هو النجار ابن مريم، فتعجب السيد المسيح من عدم إيمانهم ولكن ماذا فعل بعد ذلك؟، لقد تركهم وذهب إلى القرى المُحيطة لكى يُعَلِم هُناك، فلم يشاء الانتقام أو رَد الإهانة، وهنا قد دمج السيد المسيح بين فضيلة اللباقة وحُسن التصرف مع فضيلة المثابرة والاستمرارية فى العمل حتى مع وجود الكثير من المُحبطين والذين كانوا (أهل مدينته). وقد كان السيد المسيح يتمتع باللطف واللباقة حتى فى أشد الظروف والمحن أيضاً، فقد رفضته أكثر المدن التى قد صنع بها معجزات (مدن الجليل) كورزين وبيت صيدا وكفرناحوم بحسب إنجيل متى الإصحاح الحادى عشر، فإنهم كانوا يُريدون الشفاء فقط، وذلك كما فعل العشرة البرص عندما شفاهم فلم يُقَدِم رسالة شُكرِ وتوبة إلا واحد فقط فتعَجب السيد المسيح حين قال أين التسعة؟! ولكن حين رفضوا رسالة التوبة فى عدم مبالاة ماذا فعل حينها السيد المسيح؟ إنه لم يقم بالتهكم والسخرية ولم يبذل أية محاولة للانتقام، ولكنه رفع عينيه نحو السماء وقال: أحمدك أيها الأب رب السماء والأرض، ثم نظر للجموع بلطف وقال لهم: تعلموا منى لتجدوا راحة لنفوسكم حتى وسط متاعب الحياة وهمومها، وذهاباً إلى بستان جثسيمانى حيث كان يُصلى السيد المسيح وأراد يهوذا أن يُسلِمه بقبلة الخيانة مقابل الثلاثين من الفضه وعندما فعل ذلك قال له السيد المسيح جملة واحدة فقط يا صاحب لماذا جئت؟ أليس هذا الأمر قاسٍ ومؤلم جداً بل وقاتل أن يفعل ذلك أحد تلاميذه الذى أحبهم واختارهم من بين الكثيرين ليكونوا مثالاً له. يا ليتنا نتعلم من لطف ولباقة السيد المسيح حُسن التصرف مع الجميع حتى مع من يُخالفونا الفكر والرأى والعقيدة، وكما كان يفعل فى حياته هكذا نعيش، لنتمثل به فى حياتنا على الأرض لكى نًصبح بين الناس كما أوصانا كأنوار تُضيء لهم العالم.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;